عنوان الفتوى : معنى حديث: لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة....
ما المقصود من سماع الكفار بالنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف، ودخولهم النار إذا لم يؤمنوا ؟ هل هو مجرد السمع أو العلم الكافي للإيمان ؟ وجزاكم الله كل خير .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار.
ومعنى السماع به صلى الله عليه وسلم الوارد في الحديث هو العلم برسالته الشريفة، وبلوغ خبر إرساله للعبد.
قال القاري: أَيْ: مَا يَسْمَعُ مُخْبِرًا بِبَعْثِي، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى لَا يَعْلَمُ رِسَالَتِي [ (أَحَدٌ) ] أَيْ: مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ أَوْ سَيُوجَدُ " [ (مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ) ] أَيْ: أُمَّةِ الدَّعْوَةِ. انتهى.
ومن العلماء من يرى أن مجرد السماع بخبر بعثته صلى الله عليه وسلم غير كاف في الحكم بالتخليد في النار، وإن كان من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم يسمى كافرا، وتجري عليه في الدنيا أحكام الكفار، ولكنه إذا لم تبلغه الدعوة على وجه صحيح غير مشوه، أو مغير، فإنه يكون معذورا عند الله، ويكون حكمه حكم أهل الفترة ممن لم تبلغهم الدعوة فيمتحنون يوم القيامة.
قال الألباني- رحمه الله-: لو أن قوما أو ناسا بلغتهم دعوة الإسلام محرفةً .. مغيرةً .. مبدلةً، وبخاصة ما كان منها متعلقًا في أصولها وفي عقيدتها، فهؤلاء الناس أنا أول من يقول إنهم لم تبلغهم الدعوة؛ لأن المقصود ببلوغ الدعوة على صفائها وبياضها ونقائها، أما والفرض الآن أنها بلغتهم مغيرةً مبدلة، فهؤلاء لم تبلغهم الدعوة، وبالتالي لم تقم حجة الله تبارك وتعالى عليهم. انتهى.
ولمن قال إن معنى السماع على ظاهره، وأنه يخلد في النار كل من بلغه خبر بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كما دل عليه ظاهر الحديث، أن يجيب، بأن فرض من بلغه خبره، وسمع به صلى الله عليه وسلم، أن يبحث عن دلائل صدقه وأعلام نبوته، والتي هي مبثوثة في تضاعيف الكون كالماء والهواء، فهي في متناول من طلبها، ومن بحث عن دلائل صحة رسالته صلى الله عليه وسلم فإنه يصل إليها قطعا بلا أدنى كلفة، فإذا قصّر الشخص في البحث عن الحق بعد إذ سمع به، لم يكن معذورا بل كان ملوما موزورا.
قال أبو محمد ابن حزم: فإنما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به على من سمع بأمره صلى الله عليه وسلم، فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال، والمشرق، وجزائر البحور والمغرب، وأغفال الأرض من أهل الشرك، فسمع بذكره صلى الله عليه وسلم، ففرض عليه البحث عن حاله، وإعلامه، والإيمان به، أما من لم يبلغه ذكره صلى الله عليه وسلم، فإن كان موحدا فهو مؤمن على الفطرة الأولى، صحيح الإيمان، لا عذاب عليه في الآخرة، وهو من أهل الجنة، وإن كان غير موحد، فهو من الذين جاء النص بأنه يوقد له يوم القيامة نار فيؤمرون بالدخول فيها، فمن دخلها نجا، ومن أبى هلك. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وقد ثبت بالكتاب، والسنة، والإجماع أن من بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به فهو كافر، لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد، لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة؛ ولأن العذر بالخطأ حكم شرعي، فكما أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، والواجبات تنقسم إلى أركان، وواجبات ليست أركانا. فكذلك الخطأ ينقسم إلى مغفور وغير مغفور، والنصوص إنما أوجبت رفع المؤاخذة بالخطأ لهذه الأمة. انتهى.
ويقول الشيخ عياض السلمي: فمجرد السماع بمحمد صلى الله عليه وسلم وبعثته، ورسالته يوجب على العاقل التفكر فيما جاء به من الدين، فإذا تفكر فيه اهتدى إلى أنه الحق. وإن أعرض ولم ينظر كان مقصرا ملوما معاقبا على إعراضه وتقصيره. انتهى.
وبه يتبين لك- إن شاء الله- معنى السماع به صلى الله عليه وسلم الوارد في الحديث؛ وانظر الفتوى رقم: 59524.
والله أعلم.