عنوان الفتوى : استودع الله في حاجة له ، ثم سرقت ! ويسأل عن ذلك .
إذا استودعت الله حاجه وعدت ولم أجدها ، يعني : سرقت فما تفسير ذلك ؟
الحمد لله
أولا :
روى الترمذي (3443) وغيره عَنْ سَالِمٍ : " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما ،
كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا : ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَمَا
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَدِّعُنَا ، فَيَقُولُ
: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ " قَالَ
الترمذي : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " برقم (957)
.
ورواه ابن حبان في "صحيحه" (2693) من حديث مُجَاهِدٍ قَالَ : " خَرَجْتُ إِلَى
الْعِرَاقِ أَنَا وَرَجُلٌ مَعِي ، فَشَيَّعَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،
فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَنَا، قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ
أُعْطِيكُمَا، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ شَيْئًا حَفِظَهُ ، وَإِنِّي
أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمَا وَأَمَانَتَكُمَا، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكُمَا ) .
صححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " برقم (14) .
وروى أبو داود (2601) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْخَطْمِيِّ قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الْجَيْشَ
قَالَ : ( أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ
أَعْمَالِكُمْ ) .
قال الألباني : إسناده صحيح على شرط مسلم .
ثانيا :
من استودع الله حاجة من حاجاته ، كأن يستودعه أهلا له أو مالا أو ولدا ؛ فإنما هو -
في حقيقة أمره - قد دعا ربه أن يحفظ له ذلك الذي استودعه .
قال الخطابي رحمه الله : " قلت الأمانة هاهنا أهله ومن يخلفه منهم وماله الذي يودعه
ويستحفظه أمينه ووكيله ومن في معناهما وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع
خوف وخطر وقد تصيبه فيه المشقة والتعب فيكون سببا لإهمال بعض الأمور المتعلقة
بالدين فدعا له بالمعونة والتوفيق." انتهى من "معالم السنن" (2/258) .
وقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله : " قَوْلُهُ : أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ هُوَ طَلَبُ
حِفْظِ الْوَدِيعَةِ .. وَجَعَلَ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ مِنَ الْوَدَائِعِ ،
لِأَنَّ السَّفَرَ يُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَالْخَوْفُ فَيَكُونُ
ذَلِكَ سَبَبًا لِإِهْمَالِ بَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ ؛ فَدَعَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ ، وَلَا يَخْلُو الرَّجُلُ فِي
سَفَرِهِ ذَلِكَ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْأَخْذِ
وَالْإِعْطَاءِ وَالْمُعَاشَرَةِ مَعَ النَّاسِ ، فَدَعَا لَهُ بِحِفْظِ
الْأَمَانَةِ وَالِاجْتِنَابِ عَنِ الْخِيَانَةِ ، ثُمَّ إِذَا انْقَلَبَ إِلَى
أَهْلِهِ يَكُونُ مَأْمُونَ الْعَاقِبَةِ عَمَّا يَسُوءُهُ فِي الدِّينِ
وَالدُّنْيَا". نقله المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (9/284) .
ولهذا ، جاء في قصة الرجل الذي استسلف ألف دينار من صاحبه :
( اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ
دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاَ ، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، فَرَضِيَ
بِكَ ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا ، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، فَرَضِيَ بِكَ
، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ
أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا ) . رواه البخاري (2291) .
فإذا فهمنا أن حقيقة استيداع العبد لربه شيئا من أمانته ، أو ما يخاف عليه : هو
دعاء العبد ربه أن يحفظ عليه ذلك كله ؛ فإن الدعاء عبادة لله تعالى ، وهو أيضا سبب
من أعظم أسباب حصول المطلوب ، والنجاة من المرهوب . وقد يقدر الله تعالى له إجابة
دعائه ، بحسب ما دعا ، وقد لا يقدر الله له إجابة تلك الدعوة بعينها ؛ لكن متى أخلص
العبد دعاءه لربه ، فإنه يظفر من ذلك بأجر العبادة والإخلاص لله ، ثم إن الله تعالى
لم يضمن لعباده أن يعجل لهم كل شيء دعوه به ، بل أمر ذلك إلى الله ؛ فإما أجابهم ،
وإما ادخر لهم من الخير ما يوافي ذلك ، وإما صرف عنهم من الشر ما يكافئه ؛ شريطة
ألا يعجل العبد على ربه ، ولا يستحسر .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ
إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ
دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ
يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ :
اللَّهُ أَكْثَرُ ) .
رواه أحمد ( 10749 ) .
وينظر جواب السؤال رقم: (103099)،
ورقم : (36902) .
والله أعلم .