عنوان الفتوى : النية بين الفقهاء وأهل السلوك
سؤالي بالنسبة للنية. جاء في فتوى رقم: 164539: "قال الشيخ العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع: مسألة: يقول بعض الناس: إن النيَّة تَشُقُّ عليه. وجوابه: أنَّ النيَّة سهلة، وتركها هو الشَّاقُّ، فإنه إذا توضَّأ وخرج من بيته إلى الصلاة، فإنه بلا شَكٍّ قد نوى، فالذي جاء به إلى المسجد وجعله يقف في الصَّف ويكبِّر هو نيَّة الصلاة، حتى قال بعض العلماء: لو كلَّفنا الله عملاً بلا نيَّة لكان من تكليف ما لا يُطاق، فلو قيل: صَلِّ ولكن لا تنوِ الصَّلاة. توضَّأ ولكن لا تنوِ الوُضُوء؛ لم يستطع. ما من عمل إلا بنيَّة. ولهذا قال شيخ الإسلام: «النيَّة تتبع العلم؛ فمن علم ما أراد فِعْلَه فقد نواه، إذ لا يمكن فعله بلا نيَّة» وصَدَق رحمه الله. ويدلُّك لهذا قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «إنَّماالأعمال بالنيَّات» أي: لا عمل إلا بنيَّة. انتهى" و قد قرأت فى كتاب مختصر منهاج القاصدين: إنما النية انبعاث القلب، وتجري مجرى الفتوح من الله تعالى، وليست النية داخلة تحت الاختيار، فقد تتيسر في بعض الأوقات، وقد تتعذر، وإنما تتيسر له في الغالب لمن قلبه يميل إلى الدين دون الدنيا. وسؤالي: أليس هذا التعريف مناقضا لما قاله ابن عثيمين؟ وأليس هذا التعريف موافقا لما يشعر به الموسوسون من مشقة في النية؟ وإذا كانت النية بالسهولة التي تكلم عنها ابن عثيمين أنه لو كلف الإنسان بعمل من غير نية لكان تكليفا بما لا يطاق أي أن الإنسان بطبعه لا يتصور أن يبدأ عملا بدون نية، فمستحيل أن يكون قد دخل في الصلاة أو توضأ، أو فعلا أي شيء فى حياته إلا و قد نوى مسبقا. إذا فلماذا يشدد العلماء في الدروس والخطب على النية إذا كان الطبيعي أن الإنسان ينوي بدون مجهود؟ فأنا من الموسوسين وأجد مشقة في النية للوضوء، والاغتسال، وكثرة الكلام على بطلان العمل بدون نية يجعلني أجد صعوبة في فهم حقيقة النية أحيانا، وفي أن أنوي لأي عمل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنية التي يتكلم عنها أهل السلوك، والتي قرأت عنها في منهاج القاصدين غير النية التي يتكلم عليها الفقهاء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والنيَّةُ شرطٌ في جميع العبادات. والكلامُ على النيَّة من وجهين: الأول: من جهة تعيين العمل ليتميَّز عن غيره، فينوي بالصَّلاة أنَّها صلاة وأنَّها الظُّهر مثلاً، وبالحجِّ أنه حجٌّ، وبالصِّيام أنَّه صيام، وهذا يتكلَّم عنه أهل الفقه. الثَّاني: قصدُ المعمول له، لا قصد تعيين العبادة، وهو الإِخلاص وضدُّه الشِّرك، والذي يتكلَّم على هذا أرباب السُّلوك في باب التَّوحيد وما يتعلَّق به، وهذا أهمُّ من الأوَّل، لأنَّه لُبُّ الإِسلام وخلاصة الدِّين، وهو الذي يجب على الإِنسان أن يهتمَّ به. انتهى.
فالكلام المذكور في شأن النية عن الغزالي إنما يدل على ضرورة الاجتهاد في إخلاص العبادة لله، واستحضار عظمته سبحانه وإرادة وجهه بكل عمل، وهذا وإن احتاج إلى يقظة وانتباه لتلافي آفات العمل من الرياء ونحوه، فإن الوسوسة قد تعرض للعبد في هذا الباب أيضا فيتصور أن كل ما يفعله من الرياء وأنه غير مخلص لله، وقد يترك كثيرا من الطاعات حذرا من هذا الأمر، وهذا هو ما حذر منه أهل العلم فنهوا عن ترك العمل خوف الرياء، بل يجتهد العبد في تحقيق الإخلاص، ويجتهد كذلك في فعل الطاعات ويسأل الله القبول سادا على نفسه باب الوسوسة، معرضا عما يلقيه الشيطان في قلبه من هذه الخواطر وتلك الأوهام.
وأما النية بالمعنى الثاني، وهي التي تتعلق بتمييز العمل، فهي التي تكلم عنها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والقول هو ما قاله الشيخ في شأنها، فدع عنك الوساوس مهما تصورت لك وفي أي شكل عرضت لك، واعلم أن الله تعالى لم يجعل علينا في الدين من حرج، ولم يكلفنا إلا وسعنا وله الحمد والمنة، واسترسالك مع الوساوس واستجابتك لها مما يكرهه الله؛ لمنافاته الحنيفية السمحة التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فاجتهد في الإعراض عن الوساوس فإنه لا علاج لها إلا هذا. وانظر الفتوى رقم: 51601 ورقم: 134196.
والله أعلم