عنوان الفتوى : خبر منكر في اتهام عائشة بقتل عثمان وإرادة قتل علي رضي الله عنهم .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

روى البلاذري : حدثني أحمد بن إبراهيم الدروقي حدثنا أبو النضر حدثنا إسحاق بن سعيد عن عمر بن سعيد حدثني سعيد بن عمرو عن ابن حاطب قال : " أقبلت مع علي يوم الجمل إلى الهودج ، وكأنه شوك قنفذ من النبل ، فضرب الهودج ، ثم قال : إن حميراء إرم هذه أرادت أن تقتلني كما قتلت عثمان بن عفان . فقال لها أخوها محمد : هل أصابك شيء ؟ فقال : مشقص في عضدي ، فأدخل رأسه ، ثم جرها إليه فأخرجه " فهل هذا الخبر صحيح أم لا ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
هذا الخبر لا نعلم رواه أحد من أهل العلم بالأخبار والتاريخ إلا أحمد بن يحيى البَلَاذُري في كتابه "أنساب الأشراف" (2/249) حيث قال :
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النصر، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيد ٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ حَاطِبٍ قَالَ: " أَقْبَلْتُ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ إِلَى الْهَوْدَجِ وَكَأَنَّهُ شَوْكُ قُنْفُذٍ مِنَ النَّبْلِ ، فَضَرَبَ الْهَوْدَجَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ حُمَيْرَاءَ إِرَمَ هَذِهِ أَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلَتْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، فَقَالَ لَهَا أَخُوهَا مُحَمَّدٌ : هَلْ أَصَابَكِ شَيْءٌ ؟ فَقَالَتْ : مِشْقَصٌ فِي عَضُدِي ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ جَرَّهَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ ".
وهذا خبر منكر لا يصح سندا ولا متنا :
أولا :
عمرو بن سعيد إما أن يكون هو جد إسحاق بن سعيد ، وهو المتبادر ؛ لأنه إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد ، وعلى ذلك فالإسناد منقطع ؛ لأن وفاة الجد كانت سنة 70 "التهذيب" (8/34) ، ووفاة الحفيد الراوي عنه كانت سنة 170 "التهذيب" (1/204) ، فبين وفاتيهما مائة سنة ، فلا يمكن أن يكون قد سمع منه ، وعلى ذلك فالإسناد منقطع ضعيف .
وإما أن يكون غيره ، فهو مجهول لا يعرف ، وعليه فالإسناد ضعيف أيضا ، ومداره على مجهول في الاحتمالين ، وإذا انفرد مجهول بالحديث فهو مردود .
ثانيا :
كيف يقول علي رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها إنها أرادت أن تقتله كما قتلت عثمان؟!
هذا من الباطل المحال ، وعائشة رضي الله عنها بريئة من دم عثمان حتما ، وهي لم تخرج يوم الجمل إلا ابتغاء الإصلاح بين المسلمين ؛ فقد روى أحمد (24133) عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ: " أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا أَتَتْ عَلَى الْحَوْأَبِ سَمِعَتْ نُبَاحَ الْكِلَابِ فَقَالَتْ : مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةٌ ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا : ( أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ ؟ ) فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: تَرْجِعِينَ عَسَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ " .
(23733) : " فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا : بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ فَيُصْلِحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَاتَ بَيْنِهِمْ " وصححه الألباني في الصحيحة (474) .
وقد روى الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله ، بإسناده عن نَافِع، يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( وَايْمُ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَخْشَى لَوْ كُنْتُ أُحِبُّ قَتْلَهُ لَقُتِلْتُ - تَعْنِي عُثْمَانَ - وَلَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ أَنِّي لَمْ أُحِبَّ قَتْلَهُ ) . " الرد على الجهمية " للدارمي (83) وله شاهد من طريق مجاهد عن عائشة رضي الله عنها ، عند نعيم بن حماد في الفتن (202) .

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ رحمه الله :
" وَأَمَّا خُرُوجُهَا إِلَى حَرْبِ الْجَمَلِ فَمَا خَرَجَتْ لِحَرْبٍ ، وَلَكِنْ تَعَلَّقَ النَّاسُ بِهَا ، وَشَكَوْا إِلَيْهَا مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ عَظِيمِ الْفِتْنَةِ وَتَهَارُجِ النَّاسِ ، وَرَجَوْا بَرَكَتَهَا، وَطَمِعُوا فِي الِاسْتِحْيَاءِ مِنْهَا إِذَا وَقَفَتْ إِلَى الْخَلْقِ ، وَظَنَّتْ هِيَ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ ؛ لقول الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) النساء/ 114 ، وَقَوْلِهِ : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) الحجرات/ 9 ، وَالْأَمْرُ بِالْإِصْلَاحِ مُخَاطَبٌ بِهِ جَمِيعُ النَّاسِ مِنْ ذكر وأنثى ، حر أَوْ عَبْدٍ ، فَلَمْ يُرِدِ اللَّهُ تَعَالَى بِسَابِقِ قَضَائِهِ وَنَافِذِ حُكْمِهِ أَنْ يَقَعَ إِصْلَاحٌ ، وَلَكِنْ جَرَتْ مُطَاعَنَاتٌ وَجِرَاحَاتٌ حَتَّى كَادَ يَفْنَى الْفَرِيقَانِ ، فَعَمَدَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْجَمَلِ فَعَرْقَبَهُ ، فَلَمَّا سَقَطَ الْجَمَلُ لِجَنْبِهِ أَدْرَكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، فَاحْتَمَلَهَا إِلَى الْبَصْرَةِ ، وَخَرَجَتْ فِي ثَلَاثِينَ امْرَأَةً، قَرَنَهُنَّ عَلِيٌّ بِهَا حَتَّى أَوْصَلُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ بَرَّةً تَقِيَّةً ..." انتهى من "تفسير القرطبي" (14/ 181).

وقال ابن كثير رحمه الله في وصف موقعة الجمل :
" ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، فجعلت تنادي: الله الله ! يا بني اذكروا يوم الحساب ، ورفعت يديها تدعو على أولئك النفر من قتلة عثمان ، فضج الناس معها بالدعاء حتى بلغت الضجة إلى علي فقال : ما هذا ؟ فقالوا : أم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم .
فقال: اللهم العن قتلة عثمان " انتهى من "البداية والنهاية" (7 /270) .

وقد روى البخاري في "الأدب المفرد" (828) عنها رضي الله عنها أنها قالت : " من سب ابن عفان فعليه لعنة الله " .
وروى ابن عساكر في تاريخه (39/487) عنها رضي الله عنها أنها قالت : " غضبت لكم من السوط ، ولا أغضب لعثمان من السيف ! استعتبتموه ، حتى إذا تركتموه كالقلب المصفى قتلتموه ! " وله شواهد عند ابن عساكر (39/487-488) والطبري في تاريخه (3/82-83) وابن خياط في تاريخه (ص39) .

كما أنها كانت تمدح عليا وتصفه بالعلم ؛ وقد روى مسلم (276) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ؟ فَقَالَتْ : " ائْتِ عَلِيًّا فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي " .

والخلاصة أن هذا الخبر باطل مركّب موضوع ، لا تجوز روايته ، وأن عائشة رضي الله عنها ما خرجت يوم الجمل إلا للإصلاح بين الناس ، ولم تشارك في مقتل عثمان رضي الله عنه ولا بشطر كلمة – ولا عليّ - ، وإنما أنكرت ذلك ولم ترضه ، كما أنها لم ترد قتل علي رضي الله عنها ، ولا دار ذلك بخلدها يوما ، وقد عصمها الله تعالى مما يدعيه الأفاكون .
راجع للأهمية إجابة الأسئلة : (954) ، (127028) ، (147974) .
والله أعلم .