عنوان الفتوى : وجوب الستر على النفس وجواز الكذب للستر على المعصية
أرجوكم أفيدوني وساعدوني, فأنا فتاة أعيش في الغرب, وأعيش في جو كله فتن, وفي فترة كنت أعاني من مشاكل كثيرة, وكنت – للأسف - أمارس العادة السيئة, وأدخل على مواقع حقيرة, وكنت أتكلم مع شباب, وكنت تائهة وفي ضياع, وبفضل الله أنقذني شخص, فقد تعرفت على شاب ملتزم ذي أخلاق طيبة, وعرفني أشياء كثيرة عن الدين, والتوبة, والسلف الصالح, وكنت أقترب كثيرًا من ربنا, لكني أرجع وأضعف وأعمل شيئًا حرامًا, وكثيرًا ما أخطئ وأتوب إلى الله, وهذا الشخص أيضًا كان يعطيني فرصًا كثيرة ويسامحني, ثم تبت - والحمد لله - وأنا كنت أحب هذا الشخص, وعندما تبت كان سعيدًا بي, وكنا نريد أن نتزوج, وكثيرًا ما فكر في أن ينهي الموضوع عندما كنت أخطئ بأمور بسيطة, وعندما كنت أترجاه كان يعطيني فرصة ويسامحني, وفي آخر مرة قال لي: واللهِ لو عملتِ شيئًا محرمًا فإن كل شيء بيننا منتهٍ, ولن يثق فيّ ثانية, وقال لي: احلفي على أن لا تخفي عني شيئًا, وأن أخبره بما فعلت, ولو لم أخبره وتم موضوع الزواج فإنه سيكون غاضبًا عليّ, وقد مرت فترة طويلة - والحمد لله - وكنت بخير, وعندما ابتعدت عن ربنا وضعفت عملت أشياء محرمة, واللهِ إني نادمة على كل شيء, وأريد أن أتوب وأكون من الصالحات, وكل مرة أقول هذا, ولا يتم, وواللهِ إني أريد أن أتوب توبة نصوحًا هذه المرة, وأنا خائفة جدًّا, ولا أريد أن أخبر هذا الشخص, ولا أريد أن أخسره, فأنا أحبه في الله كثيرًا, ولا أستطيع أن أعيش دونه, خصوصًا أني أعيش في مكان كله فتن, وعائلتي ليست متدينة, وهو الذي يعينني على الطاعة, ولا أريد أن أكون وحيدة, وفي نفس الوقت أحس بوجع كبير, وأحس أني أموت في الساعة مليون مرة, ولا أريد أن أخدعه أو أضحك عليه؛ لأني أحبه كثيرًا, فهو شخص طيب ومحترم وذو أخلاق طيبة, أسعده الله, ولا أريد أن أخسره, وأنا سأقترب من الله, وأحافظ على فعل الخير والسنن وحفظ القرآن, فهل يحق لي أن لا أخبره, وأدعو ربنا أن يسامحني, وأكون ملتزمة وقريبة من الله؟ وأنا مع هذا الشخص كالكتاب المفتوح, ولا أخفي عنه شيئًا, وهو يعرف كل شيء عني, وقلبي يحرقني من أجل أني فكرت أن لا أخبره, فهو قد عمل أشياء كثيرة من أجلي, وضحّى كثيرًا, وتحمل كثيرًا جدًّا, وواللهِ إني لا أستاهل ظفره, وواللهِ إني لو ظللت خادمة تحت قدميه باقي العمر فسأظل لا أستاهله, وأنا فكرت أن أكون جيدة ومتدينة وأن أقترب من الله, ولو أخبرته بعد سنين فسأظل خائفة أن يكرهني ويطلقني, وأكون دمرت بيتي, وأيضًا لا أريد أن يكرهني أو يغضب مني أبدًا, وأنا خائفة أنني لو تزوجته ومضت الحياة وستر ربنا علي في الدنيا أن يعلم يوم القيامة ويكرهني ويسخط مني, وأنا لا أريد ذلك, اللهم اجعله زوجي واجمعني به في الدنيا والآخرة, فهل من الممكن أن يستر الله عليّ في الآخرة بعد توبتي ولا يعلم هذا الشخص أبدًا؟والله إني خائفة جدًّا, ونادمة على كل شيء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك التوبة إلى الله مما وقعت فيه من المحرمات، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب, والندم على فعله, والعزم على عدم العود إليه، مع الستر على النفس, وعدم المجاهرة بالذنب، فلا تخبري أحدًا بما وقعت فيه من المعاصي، فإن الإنسان إذا وقع في معصية عليه أن يستر على نفسه, ولا يخبر بها أحدًا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"... أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ, مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ, فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ " رواه مالك في الموطأ، قال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: " وفيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة ", بل يجوز لك الكذب إذا احتجت إليه للستر على نفسك, فقد جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب عند ذكر الأمور التي يرخص فيها في الكذب: " فَهَذَا مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ, وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ, كَكَذِبِهِ لِسَتْرِ مَالِ غَيْرِهِ عَنْ ظَالِمٍ، وَإِنْكَارِهِ الْمَعْصِيَةَ لِلسَّتْرِ عَلَيْهِ, أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يُجَاهِرْ الْغَيْرُ بِهَا، بَلْ يَلْزَمُهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ مُجَاهِرًا", واعلمي أن هذا الرجل ما لم يعقد عليك عقدًا شرعيًا فهو أجنبي عنك, وانظري في حدود تعامل الخاطب مع مخطوبته الفتوى رقم: 8156، ولمزيد فائدة راجعي الفتوى رقم: 21582.
وإذا تبت إلى الله توبة صادقة فأبشري خيرًا بعفو الله وستره، فإن التوبة تمحو ما قبلها, والله تعالى يحب التوابين, ويفرح بتوبتهم.
والله أعلم.