عنوان الفتوى : هل لأشقاء المتوفى أن يتعجلوا زوجة أخيهم في قسمة الميراث وهي لم تزل في العدة ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

توفي زوجي رحمه الله قبل شهر ونصف ، بعد مرض عضال ، ومعاناة لأكثر من ثلاث سنوات ، زواج دام ثمان عشر سنة لم نرزق خلالها بأطفال. وبعد ثلاثة أسابيع من وفاته بادر أهل زوجي إلى استدعائي لترتيب تقسيم التركة ، الشيء الذي أثار غضبي ، وازداد حزني لعدم مراعاة حالتي النفسية والجسدية ، إذ كنت لا آخذ قسطي من الراحة الكافية خلال الأشهر الأخيرة لاهتمامي بزوجي ، وهذا ليس والله بمن ، ولكن كنت جداً متعبة ؛ لقلة النوم ، وكثرة الأشغال ، فلما سألتهم عن أسباب العجلة ، أجاب أحد الإخوة : أن الشرع يوجب التعجيل بتوزيع التركة ، فقلت له : اذهبوا وبادروا بتوزيع تركة جدتكم التي توفيت قبل ثلاثين سنة ، وتركة أبيكم الذي توفي قبل ست عشرة سنة ؛ لأن لي حصة فيها ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كل الورثة ميسورو الحال ، فلا داعي للاستعجال. وقبل أربعة أيام : اتصل بي أحدهم ليوصل إلي رسالة الورثة ، مفادها : أنه الإنذار الأخير لتسوية التقسيم بالتراضي ، وإلا سيلجئون إلى المحكمة. وأضاف أنه يجب علي لهذا أن أسافر إلى مدينتهم التي تبعد بـ 200 كلم . فلما قلت : له بأني معتدة ، ولا يجوز لي أن أبيت في غير بيت زوجي ، رد بأنها ضرورة. وأسئلتي : هل أنا آثمة إن وافقت على تقسيم التركة الآن كي أرتاح من الخوض في متاهات التقسيم. ? وهل الشرع يوجب مراعاة الحالة النفسية القاسية من الحزن والإحساس بالوحدة بعد سنين من الرفقة ، لمن يفقد هذه الرفقة العزيزة ؟ هل هم آثمون بتعجيل تركة زوجي ، وتركهم تركة جدتهم ، وأبيهم ، واستغلال ابتلاء الله لي بعدم الانجاب ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولا :
إذا مات المورّث فإن أمواله تنتقل بموته للورثة مباشرة ، ولا يجوز لأحدٍ أن يُخفي التركة عن الورثة ، ولا يجوز لأحدٍ أن يعطِّل قسمة الميراث ، فإن اتفق الورثة على عدم تقسيم التركة كلها أو بعضها فلا حرج في ذلك ، فإن رغب واحد منهم في حصته فيجب أن يعطى له نصيبه من الميراث .
وعلى ذلك : فلا حرج عليهم في التعجيل بقسمة الميراث ؛ ليعطى كل ذي حق حقه ، وإن كانوا ميسوري الحال .
وينظر جواب السؤال رقم : (97842) .
على أنه يحسن بهم أن يلبوا رغبتك في التمهل حتى انقضاء العدة وهدوء النفس ؛ فإن ذلك يعدّ من مكارم الأخلاق ، وهو من الإحسان إلى الخلق ، وإن كان ذلك لا يلزمهم ، كما أنهم ليسوا آثمين ولا مذنبين إذا لم يتوافق طلبهم ذلك مع حالتك النفسية ، أو الأزمة التي تمرين بها ، وإن كانت مراعاة ذلك ، كما قلنا من المروءات ومكارم الأخلاق التي ينبغي مراعاتها .
ثانيا :
يجب على باقي الورثة ، إن كان لزوجك نصيب في ميراث جدتهم أو والدهم ، ولم يحصل عليه قبل وفاته ، أن يضموه إلى تركته قبل قسمتها ، ثم يقسم ذلك كله على الورثة حسب نصيبهم الشرعي .
ولا شك أنهم يأثمون إذا منعوا شيئا من الحقوق عن أهلها ، وهم ظالمون غاصبون إذا رفضوا أن يضموا نصيب زوجك إلى تركته قبل قسمتها .
فإذا لم يفعلوا وأصروا على المطالبة بحقهم في ميراث أخيهم وأرادوا رفع الأمر إلى المحكمة ، فارفعي أنت أيضا دعوى للمحكمة للمطالبة بحقك من الميراث الذي لك في ذمتهم ، ويمكنك أن تعملي توكيلا شرعيا لأحد من أقاربك بذلك .
ثالثا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (101546) بيان أن المرأة في عدة الوفاة لها أن تخرج من بيتها في النهار لقضاء حوائجها ، كمتابعة الإجراءات الحكومية ، إذا لم يوجد من يقوم بها بدلا عنها ، وأما الليل فلا تخرج فيه إلا لضرورة .
كما لا تنشئ سفرا مادامت في العدة ، جاء في "الموسوعة الفقهية" (33/ 92):
" ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تُنْشِئَ سَفَرًا قَرِيبًا كَانَ هَذَا السَّفَرُ أَوْ بَعِيدًا ، بَل يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَلْزَمَ بَيْتَ الزَّوْجِيَّةِ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ " انتهى .
رابعا :
عند حصول الإصرار منهم على المطالبة بالميراث فليكن ذلك بالبلد التي تقيمين بها ، ويتعين عليهم السفر إليك ، وإنهاء إجراءات القسمة ببلدك ؛ حتى لا تسافري أيام العدة ، فإن اضطررت إلى السفر ، فلا حرج عليك في ذلك ، على أن يكون السفر بصحبة محرم ، وعلى أن تبيتي في بيت زوجك الذي تقضين فيه العدة ، إلا في حال الضرورة القصوى ؛ فإن الضرورات تبيح المحظورات .
فإذا أمنك أن توكلي من ينوب عنك في التفاهم معهم ، وقسمة الميراث ، فافعلي ، ولا تخرجي من بيتك ، ولا تسافري إليهم .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وَلَيْسَ لَهَا الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا، وَلَا الْخُرُوجُ لَيْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْفَسَادِ ، بِخِلَافِ النَّهَارِ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ قَضَاءِ الْحَوَائِج وَالْمَعَاشِ، وَشِرَاءِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ .
وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا حَقٌّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِهَا ، كَالْيَمِينِ وَالْحَدِّ ، وَكَانَتْ ذَاتَ خِدْرٍ، بَعَثَ إلَيْهَا الْحَاكِمُ مَنْ يَسْتَوْفِي الْحَقَّ مِنْهَا فِي مَنْزِلِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً جَازَ إحْضَارُهَا لِاسْتِيفَائِهِ ، فَإِذَا فَرَغَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا " انتهى من "المغني" (8/ 163) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" المعتدة من الوفاة وهي المحادة الواجب عليها بقاؤها في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه ، لا تخرج إلى الناس للزيارات لا لأولادها ولا غيرهم ، لكن خروجها لحاجة مثل المستشفى ، الطبيب ، مثل دعوى ، عليها خصومة في المحكمة ، مثل حاجة في السوق تشتري حاجاتها لا بأس ، فلو كان هناك حاجة مهمة مثل مدرسة ، مثل طالبة يفوتها العلم فلها الخروج ؛ لأنها حاجة مهمة ، كونها طالبة أو موظفة أو مدرسة هذه حاجات مهمة ، لها أن تخرج لكن بغير زينة ، تكون في ثياب عادية ليس فيها جمال ، وغير متطيبة ولا مكتحلة ولا لابسة حلي " .
انتهى مختصرا من موقع الشيخ .
http://www.ibnbaz.org.sa/mat/12868

نسأل الله ييسر لك أمرك ، ويقضي حاجتك ، ويأجرك في مصيبتك ، ويخلف لك خيرا منها .
والله تعالى أعلم .