أرشيف المقالات

قراءة القرآن بالعين فقط

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
قراءة القرآن بالعين فقط


أيها المسلم الكريم: من المسائل التي ينبغي التنبيه عليها هي:
إن قراءة القرآن بالعين فقط دون تحريك اللسان لا تعتبر قراءة، ولكن لا مانع من النظر في القرآن من دون قراءة للتدبر وفهم المعنى، فالنظر الى المصحف عبادة كما قال الإمام النووي (رحمه الله): "الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى"[1].
 
ولا يعد قارئًا، ولا يحصل له فضل القراءة إلا إذا تلفظ بالقرآن ولو لم يُسمِع من حوله؛ لقول النبي (r): ((اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ))[2].
 
ولا تجزئ القراءة بالقلب دون تحريك اللسان في القراءة الواجبة في الصلاة باتفاق الفقهاء (رحمهم الله)، وإنما يجب تحريك اللسان بالقراءة حتى تكون الصلاة مجزئة.
 
قال الإمام الكاساني من فقهاء الحنفية (رحمه الله): "الْقِرَاءَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالْحُرُوفِ وَلَمْ يُوجَدْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ الْقَادِرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ إذَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ بِالْحُرُوفِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَنَظَرَ فِيهَا وَفَهِمَهَا وَلَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَحْنَثْ"[3]، يعني لأنه لم يقرأ، وإنما نظر فقط.
 
وسُئِلَ الإمام مالك (رحمه الله) عن الذي يقـرأ في الصلاة، لا يُسْمِعُ أحدًا ولا نفسَه، ولا يحرك به لسانًا، فقـال (رحمه الله): " ليست هذه قراءة، وإنما القراءة ما حُرِّكَ له اللسان"[4].
 
وقال الرملي من فقهاء الشافعية (رحمه الله):"إنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَى مَا يُسْمِعُ بِهِ نَفْسَهُ، لِأَنَّ التَّحْرِيكَ إذَا لَمْ يُسْمِعْ بِهِ نَفْسَهُ لَا أَثَرَ لَهُ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً وَلَا ذِكْرًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ[5]".
 
وقال ابن قدامة من فقهاء الحنابلة (رحمه الله): "وَلِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ عَبَثٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ"[6].
 
ولذلك الفقهاء (رحمهم الله) منعوا الجُنُب من قراءة القرآن باللسان، وأجازوا له أن ينظر في المصحف، ويقرأ القرآن بالقلب دون حركة اللسان، وهذا يدل على الفرق بين الأمرين، وإن عدم تحريك اللسان لا يعد قراءة.
 
قال الإمام النووي (رحمه الله): "يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَتُهُ بِالْقَلْبِ دُونَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ"[7].
 
فالقراءة لا بد أن تكون باللسان، فإذا قرأ الإنسان القرآن بقلبه في الصلاة لا يجزئه، وإذا قرأ القرآن خارج الصلاة بالعين فقط دون تحريك اللسان لا تعدُّ قراءة، ولا يثاب عليها ثواب القراءة، وإنما هي تدبر للقرآن، ويرجى أن يثاب عليها المسلم.

نسأل الله تعالى لنا ولكم الحفظ، والسلامة، والعافية من كل داء، وحسن الختام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] المجموع شرح المهذب للنووي:(2/ 166).

[2] صحيح مسلم، كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا - بَابُ فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ:(1/ 553)، برقم (804).

[3] بدائع الصنائع، للكاساني: (3/ 55).

[4] البيان والتحصيل، لابن رشد: (1/ 490).

[5] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي: (1/ 141).

[6] المغني لابن قدامة: (2/ 130).

[7] المجموع شرح المهذب للنووي: (2/ 163).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير