عنوان الفتوى : ليس كل تأويل للحديث بغير معناه يدخل في باب الكفر
حصل أن كنت مع أخ فطلب مني ألا ألتفت لوجود متبرجات تبرجًا فاحشًا خلفي، فقلت ممازحًا له: تريد أن تمنعني من النظر بعد أن نظرت أنت، أين أنت من حديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ فهل هذا القول يدخل في الاستهزاء المكفر؟ وفقكم الله ونفع بكم، ولا تنسوني من دعائكم أن يثبتني الله على دينه وأن لا أفارقه طرفة عين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فقد سبق لنا أن بينا ماهية الاستهزاء الذي يعد كفرًا في الفتوى: 137818.
ولا شك أن الكلام الذي قلته خطير ولا يجوز، لأنه تنزيل للحديث في غير موضعه، إذ ليس معنى الحديث لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه المعصية ـ كما هو معلوم ـ إلا أنه لا يعتبر استهزاء بالدين -فيما نرى- ما دمت لم تقله مستخفًا ومستهينًا به.
والواجب عليك أخي السائل الحذر من فلتات اللسان, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. رواه مسلم.
وليس بالضرورة أن تكون تلك الكلمة الخطيرة كلمة كفر, قال النووي في شرح الحديث المتقدم: مَعْنَاهُ: لَا يَتَدَبَّرهَا وَيُفَكِّر فِي قُبْحهَا، وَلَا يَخَاف مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا، وَهَذَا كَالْكَلِمَةِ عِنْد السُّلْطَان وَغَيْره مِنْ الْوُلَاة، وَكَالْكَلِمَةِ تُقْذَف، أَوْ مَعْنَاهُ كَالْكَلِمَةِ الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِضْرَار مُسْلِم وَنَحْو ذَلِكَ، وَهَذَا كُلّه حَثّ عَلَى حِفْظ اللِّسَان... اهــ.
فالحذر الحذر, ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق إلى أن نلقاه.
والله أعلم.