عنوان الفتوى : قول : ( بسم الله الذي لا إله إلا هو ) عند خلع الثياب للحفظ من الجن

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

وصلتني رسالة عبر البلاك بيري وهي : ( عند خلع ملابسك ، قل : ( بسم الله الذي لا إله إلا هو ) ؛ ليحجب الله عورتك عن أعين الجن ، تعلموها وعلموها الناس الغافلة ، فالجن تعشق . فما صحة هذه الرسالة ، وهل يجوز تداولها ؟

مدة قراءة الإجابة : 11 دقائق

الحمد لله.


روى الترمذي في سننه (606) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ ) . قَالَ الترمذي رحمه الله : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْيَاءُ فِي هَذَا . انتهى .
الذي جاء في هذه الأحاديث الضعيفة : هو قول : ( باسم الله ) دون زيادة : ( الذي لا إله إلا هو ) فإني لم أقف عليها في شيء من كتب السنة ، وإليك تفصيل الأحاديث الواردة في المسألة مع بيان الحكم عليها :
أولا : حديث أنس بن مالك رضي الله عنه :
ولفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ ، وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا وَضَعُوا ثِيَابَهُمْ أَنْ يَقُولُوا : بِسْمِ اللَّهِ ) .
وجاء من طرق عن أنس رضي الله عنه :
* الطريق الأولى : زيد العمي عن أنس :
أخرجها الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " (469) و" تمام في الفوائد" (1709) والطبراني في "الأوسط "(7066) وفي "الدعاء" (368) والإسماعيلي في معجم شيوخه (165) ومن طريقه السهمي في "تاريخ جرجان "(ص496، 497)، وابن منده في "الفوائد" (23) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (273،274) وأبو الشيخ في "العظمة" (1107) وابن عدي في "الكامل "(3/198) ومن طريقه البيهقي في "الدعوات" (54)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/383) . من طرق عن سعد بن الصلت ، وسعيد بن سلمة ، عن الأعمش ، عن زيد العمي .
وفيها علل :
الأولى : سعد بن الصلت ضعيف ، وسعيد بن سلمة ضعيف جدا .
الثانية : تفردهما عن إمام مكثر جدا كالأعمش ، وذلك يدل على نكارة روايتهما .
الثالثة : زيد العمي ضعيف سيء الحفظ .
* الطريق الثانية : عمران بن وهب عن أنس :
أخرجها الطبراني في "الأوسط" (2504) .
وفيها علل :
إبراهيم بن نجيح المكي ، وشيخه أبو سنان لم أجد لها ترجمة .
وعمران بن وهب ضعيف ، ولم يسمع من أنس .
* الطريق الثاثة : حميد عن أنس:
أخرجها ابن عدي في "الكامل" (6/303) .
وفي إسنادها محمد بن أحمد بن سهيل بن علي بن مهران ، قال عنه ابن عدي : " وهو ممن يضع الحديث متنًا وإسنادًا، وهو يسرق حديث الضعاف يلزقها على قوم ثقات " انتهى .
* الطريق الرابعة : عاصم الأحول عن أنس :
أخرجها تمام في "الفوائد" (1708) من طريق محمد بن خلف الكرماني، عن عاصم الأحول ، ومحمد بن خلف الكرماني ، لم أجد له ترجمة ، وقد خولف فيه ، قال الدارقطني في " العلل " (12/101) : ( يرويه محمد بن خلف الكرماني ومحمد بن مروان السدي عن عاصم الأحول ، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ووَهِما فيه ، والصحيح : عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية قوله ، كذلك رواه ابن عيينة وعلي بن مسهر ) .
فخلاصة القول في حديث أنس رضي الله عنه أنه جاء من طرق ضعيفة جدا ، ولا تقبل التقوية ، وقد قال الدارقطني في "العلل"(12/101) : " والحديث غير ثابت " انتهى .
ثانيا: حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
ولفظه : ( إِذَا نَزَعَ أَحَدُكُمْ ثَوْبَهُ أَوْ تَعَرَّى فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللهِ , فَإِنَّهُ سِتْرٌ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ)
رواه أبو نعيم في "الحلية" (7/255) .
وفي إسناده علتان :
الأولى : السري بن مزيد، ذكره الخطيب في تلخيص المتشابه (1/367) ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
الثانية : إسماعيل بن يَحْيى بن عُبَيد اللَّه التيمي ، متهم بالكذب .
فالحديث بهذا الإسناد ضعيف جدا .
ثالثا : حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضع الرجل ثوبه : أن يقول : بسم الله ) .
أخرجه أحمد بن منيع في مسنده كما في "إتحاف المهرة"(434) - ومن طريقه أبو الشيخ في "العظمة" (1108) - ، وتمام في "الفوائد" (1711) - ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (31/75) - ، وابن النقور في فوائده (12) وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (519) من طريق محمد بن الفضل بن عطية ، عن زيد العمي ، عن جعفر العبدي ، عن أبي سعيد الخدري .
وفي إسناده علتان :
الأولى : محمد بن الفضل بن عطية كذبه الأئمة وتركوه ، وقد تابعه سلام الطويل عند الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (470) وسلام قريب منه ! ، ولا يبعد أن يكون أحدهما سرقه من الآخر .
الثانية: وزيد العمي ضعيف سيء الحفظ .
فالحديث بهذا الإسناد ضعيف جدا .
وقال ابن حجر في "نتائج الأفكار" بعدما ساق طرق الحديث (1/155) : " فالحاصل أنه لم يثبت في الباب شيء ، والله أعلم " انتهى .
والراجح في الحديث ما رواه ابن فضيل في "الدعاء" (110) وعنه ابن أبي شيبة في "المصنف" (29735) ، قال ابن فضيل : حدثنا عاصم الأحول ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : كان يقال : ( إن من ستر ما بين عورات بني آدم وبين أعين الجن والشياطين أن يقول أحدكم إذا وضع ثيابه : بسم الله ) وهذا لم ينسبه بكر المزني لقائل ، فلا يصح الاحتجاج به والحالة هذه .
على أن بعض أهل العلم قد ذهب إلى تقوية الحديث بطرقه ؛ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وجملة القول أن الحديث صحيح لطرقه المذكورة , والضعف المذكور فى أفرادها ينجبر إن شاء الله تعالى بضم بعضها إلى بعض كما هو مقرر فى علم المصطلح " انتهى من "إرواء الغليل" (1/90) ، وينظر : "الفتوحات الربانية" لابن علان (1/373) وما بعدها .
قال الإمام النووي رحمه الله : " قال أصحابنا: ويستحبّ هذا الذكر سواء كان في البنيان أو في الصحراء ، قال أصحابنا رحمهم الله : يُستحبّ أن يقول أوّلاً: " بسم الله " ثم يقول: " اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من الخُبْثِ والخَبائِثِ " . انتهى من "الأذكار" (26) .
والحاصل أننا نرجو ألا يكون بذلك بأس : أن يقول عند خلع ملابسه : ( بسم الله ) ، وأن يعلم ذلك لغيره ، ويدعوهم إليه ، لكن مع الانتباه إلى أمرين :
الأول : أن الذكر الوارد في ذلك ، على ما في ثبوته من نظر ، كما سبق ، إنما ورد عن الخلع عند دخول الخلاء ، ومعلوم أن أماكن قضاء الحاجة محتضرة ، تحضرها الشياطين ، ولا يدل استحباب ذكر معين فيها ، أن يستحب مثل هذا الذكر في غير ذلك من الأحوال ؛ وإنما يقتصر القول فيه على ما ورد فقط .
الثاني : أنه لم يرد في شيء من طرق الحديث ، فيما نعلم ، قوله : ( الذي لا إله إلا هو ) .
وينظر الكلام حول الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال : جواب السؤال رقم (44877) .
وأما مسألة عشق الجني للإنسي ، فقد تقدم الكلام عليها وعلى سبل الوقاية منها في إجابة السؤال (144835) .
والله أعلم .