عنوان الفتوى : حكم من مات قبل إتمام عمرته
لي أخ توفي قبل أسبوع، ولكن قبل 5 سنوات أحرم لعمرة، وفي الطواف قطع الطواف ورجع إلى بيته ولم يتحلل ولم يذبح. ماذا عليه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به أخوك من قطع الطواف قبل انتهائه والتحلل من إحرامه بالحلق أو التقصير غير جائز، نسأل الله له المغفرة، فإن من أحرم بنسك - حج أو عمرة - لزمه إتمامه، ولا يجوز له قطعه ولا رفضه قبل أن يتمه ويتحلل منه، وقد كان عليه أن يعود إلى مكة ليطوف من جديد ويكمل بقية نسكه ثم يتحلل بعد الطواف والسعي، لأن العمرة يجب إتمامها بالشروع فيها؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ {البقرة: 196} وإن كانت نافلة، نقل ابن كثيرٍ الإجماع على ذلك، فإن عجزَ عن إتيان مكة فهو في حكم المحصر يلزمه الهدي؛ لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ {البقرة : 196}، وإن عجز عن ذبح الهدي صامَ عشرة أيامٍ قياساً على من لم يجد الهديَ في حج التمتع. كما يجب عليه قبل التحلل أن يتجنب محظورات الإحرام لأنه ما زال محرما، وحيث إنه مات ولم يتم عمرته فقد مات محرما، والمحرم لا يكمل عنه النسك على الأصح كما قال النووي أي لا يشرع إكمال نسكه بناء ما عمل هو منه.
ففي المجموع : إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ فِي أثنائه هل تجوز النيابة عَلَى حَجِّهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وَالْقَدِيمُ) يَجُوزُ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِ. فَعَلَى الْجَدِيدِ يَبْطُلُ الْمَأْتِيُّ بِهِ إلَّا فِي الثَّوَابِ وَيَجِب الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تِرْكَتِهِ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَقَرَّ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوَّعَا أَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ إلَّا هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَجِبْ. انتهى.
وفي شرح زاد المستقنع للشيخ محمد الشنقيطي: إذا مات المحرم بالحج أو العمرة أثناء الحج والعمرة وكانت فريضة عليه فهل يلزمنا أن نقضي الحج والعمرة عنه وما الدليل ؟ الجواب : للعلماء قولان في هذه المسألة: منهم من يرى أنه لو مات الحاج أو المعتمر أثناء حجه وعمرته لا يلزمنا إتمام ما شرع فيه ولا يقضى عنه ذلك الحج ولا تلك العمرة، وهذا هو المذهب الصحيح على ظاهر حديث عبد الله بن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم - وقف في حجة الوداع ووقف معه الصحابة فوقف رجل فوقصته دابته فمات فقال- صلى الله عليه وسلم - : (( اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا وجهه ولا تغطوا رأسه، ولا تمسوه بطيب. فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )) لم يقل النبي- صلى الله عليه وسلم - اقضوا حجه أو أتموا حجه. وهذا يدل على أن الواجب هو ما ذكر وأن ما زاد على ذلك فليس بواجب. انتهى.
لكن إذا كان الميت لم يؤد عمرة الإسلام مع تمكنه من أدائها في حياته فيجب أداؤها عنه من تركته، إن كانت له تركة أي تعطى نفقة العمرة لشخص يعتمر نيابة عنه، ويجوز أن يعتمرعنه شخص - قريبا كان أو بعيدا - من ماله الخاص.
قال ابن قدامة في المغني: متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر سواء فاته بتفريط أو بغيره، وبهذا قال الحسن وطاووس والشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط بالموت فإن وصى بها فمن الثلث، وبهذا قال الشعبي والنخعي لأنه عبادة بدنية فتسقط بالموت كالصلاة. ولنا ما روى ابن عباس: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج، قال: حجي عن أبيك. وعنه: أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أما كنت قاضيه، قال: نعم، قال: فاقضوا دين الله فهو أحق بالقضاء. رواهما النسائي. انتهى.
وفي الروض المربع : وإن مات من لزماه (أي الحج والعمرة) أخرجا من تركته من رأس المال، أوصى به أو لا. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء في الجملة إلى أنه يجوز أداء العمرة عن الغير؛ لأن العمرة كالحج تجوز النيابة فيها ؛ لأن كلا من الحج والعمرة عبادة بدنية مالية ولهم في ذلك تفصيل. إلى أن قال: قال الشافعية: تجوز النيابة في أداء العمرة عن الغير إذا كان ميتا أو عاجزا عن أدائها بنفسه، فمن مات وفي ذمته عمرة واجبة مستقرة بأن تمكن بعد استطاعته من فعلها ولم يؤدها حتى مات. وجب أن تؤدى العمرة عنه من تركته، ولو أداها عنه أجنبي جاز ولو بلا إذن كما أن له أن يقضي دينه بلا إذن. انتهى.
وما عمل من محظورات الإحرام فيما بين قطعه للطواف وموته، إن كان فعله جاهلا فحكمه ما سبق في الفتوى رقم :116951 ، وأما إن كان عالماً به فعليه فديةٌ واحدة عن جنس كل محظورٍ ارتكبه، وتخرج الفدية من التركة أيضا مثل الكفارات فلا تسقط بالموت لدى الكثير من أهل العلم.
ففي الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في تأثير الموت على الكفارات المالية الواجبة على الإنسان إذا مات قبل أدائها، ككفارة اليمين، وكفارة القتل الخطأ، وكفارة الظهار، وكفارة الإفطار في رمضان عمدا، وكذا ما يلزمه من فدية الصوم والحج وجزاء الصيد إذا مات قبل إخراجها. وذلك على ثلاثة أقوال: الأول: للشافعية والحنابلة، وهو أن الكفارات ونحوها من الواجبات المالية كفدية الصيام والحج وجزاء الصيد لا تسقط بموت من وجبت عليه قبل أدائها وتخرج من رأس ماله، أوصى بها أو لم يوص. انتهى.
وانظر الفتوى رقم : 78106.
والله أعلم.