عنوان الفتوى : قصة تحريق علي بن أبي طالب لبعض الزنادقة
في إحدى المحاضرات الإسلامية سمعت أنه في زمن خلافة سيدنا علي رضي الله عنه كان هناك أناس يرمون أنفسهم في النار حبّاً له ، هؤلاء يفدون سيدنا علي رضي الله عنه بأنفسهم ، وهم - أيضاً - ارتبطوا به بشدة ، مما جعلهم يضرمون ناراً عظيمة ثم يرمون بأنفسهم فيها واحداً تلو الآخر ، نسيت السبب الذي من أجله فعلوا هذا ، ولكنهم فعلوه ، فهل هذه هي الحقيقة ؟
الحمد لله
هذا الذي يذكره الأخ السائل لا نعرفه في سيرة الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي
الله عنه ، ولم نطلع عليه فيما وقفنا عليه من مصادر تاريخية ، ولعله حصل وهم من
المحاضر أو من السامع ، والقصة الحقيقية هي : أن عليّاً رضي الله عنه حرَّق بعض
الزنادقة الذي ادَّعوا له الألوهية ، وقد استتابهم حتى يرجعوا عن قولهم فأبوا ،
فأمر بحفرة فأضرمت فيها النار ثم أحرقهم فيها ، وقد بلغ ذلك ابنَ عباس فأنكر عليه
الحرق للنهي عنه ، ولم يُنكر عليه أصل قتلهم .
وقصةَ تحريق علي رضي الله
عنه لهم قد رواها البخاري في صحيحه في موضعين :
الأول : رواه عن عكرمة - ( 2854 ) – : أنَّ عليًّا حرَّق قوماً ، فبلغ ابنَ عباس
فقال : لو كنتُ أنا لم أحرِّقهم ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ( لا
تُعذِّبوا بعذاب الله ) ولَقَتَلتُهم كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَن
بدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) .
والثاني : عن عكرمة – ( 6524 ) - قال : أُتي عليٌّ بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابنَ
عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرِّقهم ؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لاَ
تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ الله ) ولَقتَلتُهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (
مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) .
وأما من طعن في الحديث من
أجل عكرمة مولى ابن عباس ، فقد تكلم بهوى وجهل ؛ لأنه لم يثبت عليه ما يستحق رد
حديثه .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " فأمَّا البدعة : فإن ثبتت عليه : فلا تضرُّ
حديثَه ؛ لأنَّه لم يكن داعيةً ، مع أنَّها لم تثبت عليه " انتهى من " فتح الباري "
( 1 / 425 ) .
وتفصيل قولهم ، وتحريق علي
رضي الله عنه لهم ، جاء بإسنادٍ حسَّنه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، وقد قال : "
وزعم أبو المظفر الإسفراييني في " الملل والنِّحَل " أنَّ الذين أحرقهم علي طائفةٌ
من الروافض ادَّعوا فيه الإلهية ، وهم السبائية ، وكان كبيرُهم " عبد الله بن سبأ "
يهوديًّا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة ، وهذا يمكن أن يكون أصله ما رويناه
في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه
قال : قيل لعلي : إنَّ هنا قوماً على باب المسجد يدَّعون أنَّك ربُّهم ! فدعاهم
فقال لهم : ويلكم ما تقولون ؟! قالوا : أنت ربُّنا وخالقُنا ورازقنا ! فقال : ويلكم
! إنَّما أنا عبدٌ مثلُكم آكلُ الطعامَ كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعتُ اللهَ
أثابَنِي إن شاء ، وإن عصيتُه خشيتُ أن يُعذِّبَني فاتَّقوا الله وارجعوا ، فأبَوا
، فلمَّا كان الغد غدوا عليه ، فجاء قنبر فقال : قد - والله - رجعوا يقولون ذلك
الكلام ، فقال : أدخِلهم ، فقالوا كذلك ، فلمَّا كان الثالث قال : لئن قلتُم ذلك
لأقتلنَّكم بأخبث قتلة ، فأبوا إلاَّ ذلك ، فقال : يا قنبر ! ائتني بفعلة معهم
مرورهم ، فخدَّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر ، وقال : احفروا فأبعدوا في
الأرض ، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود ، وقال : إنِّي طارحُكم فيها أو
ترجعوا ، فأبوا أن يرجعوا ، فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال :
إنِّي إذا رأيت أمراً منكرا *** أوقدتُ ناري ودعوتُ قنبرا
وهذا سند حسن " انتهى من " فتح الباري " ( 12 / 270 ) .
وننبه إلى ورود بعض الروايات
أن عليّاً رضي الله عنه لم يحرقهم ، وإنَّما دخَّن عليهم بدخان نار حتى ماتوا ، ولم
يصح ذلك ، وروي أنه قتلهم أولاً ثم حرَّقهم ، ولم يصح ذلك أيضاً .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |