عنوان الفتوى : حكم الصلاة خلف من يكفر بالله ويصلي بغير وضوء

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

ما حكم من صلى سنوات طويلة في مسجد خلف إمام كان يكفر بالله ويسب الدين، علما أنه كان يكفر بالله علنا وكنت أنصحه بعدم الكفر وسب الدين لكنه كان لا يستمع إلى النصيحة، ومرات عديدة كان الإمام يصلي بالناس من غير وضوء. هل يجب قضاء تلك الصلوات أم لا؟ وهل صلاة المأمومين كانت صحيحة خلف ذلك الإمام الذي كان يأتي ببدعة مكفرة أم لا؟ وهل يجب علينا قضاء الصلوات التي صليناها خلف ذلك الإمام؟ علما أنني كنت أعلم أن من يأتي ببدعة مكفرة أو يصلي بدون وضوء لا تجوز الصلاة خلفه، لكن ماذا علينا فعله؟ علما أنني تركت الصلاة خلف ذلك الامام نهائيا، لكن ما حكم الصلوات التي صليناها خلفه خلال تلك سنوات طويلة؟ هل يجوز إعادة تلك الصلوات أم لا؟ أرجو من فضيلتكم الإجابة على سؤالي مقرونة بالأدلة لأنه يهمني كثيرا حيث كنت من ضمن المصلين الذين صلوا سنوات طويلة خلف ذلك الإمام. وجزاكم الله خيرا .

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فمن صلى خلف إمام يعلم كفره أو يعلم كونه محدثا لم تصح صلاته ووجبت عليه الإعادة بلا شك، وأما من علم بكفره بعد الصلاة فتجب عليه الإعادة كذلك عند جمهور العلماء، سواء كان الإمام معلنا بكفره أو مخفيا له.

جاء في الروض مع حاشيته: لا تصح -أي الصلاة- خلف كافر سواء كان أصليًا أو مرتدا، وسواء كان كفره ببدعة أو غيرها، ولو أسره فإنها لا تصح لنفسه، فلا تصح لغيره. انتهى.

وفصل بعض أهل العلم في المسألة فرأوا أنه إن كان هذا الإمام معلنا بكفره وجبت الإعادة لأن هذا لا يخفى، وإن كان مستسرا بكفره لم تجب الإعادة لأن هذا مما يخفى، كمن صلى خلف من لا يعلم كونه محدثا ثم بان كون الإمام محدثا فإنه لا تجب عليه الإعادة لأن هذا مما يخفى، وهذا التفصيل قول للشافعية، وإن كان خلاف ما رجحه النووي رحمه الله في المنهاج.

قال في نهاية المحتاج: (ولو) (بان إمامه) بعد الصلاة على خلاف ظنه (امرأة) أو خنثى أو مجنونا (أو كافرا معلنا) كفره كذمي (قيل أو) بان كافرا (مخفيا) كفره كزنديق (وجبت الإعادة) ؛ لأنه مقصر بترك البحث إذ أمارة المبطل من أنوثة أو كفر ظاهرة لا تخفى، والخنثى ينتشر أمره غالبا، بخلاف المخفي فإنه لا يطلع عليه فلا تجب الإعادة فيه. وسيأتي ترجيح عدم الفرق بين المخفي وغيره في كلامه -يعني في كلام النووي رحمه الله-. انتهى.

وإلى هذا ذهب أبو محمد بن حزم رحمه الله فقال كما في المحلى: فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَافِرٌ، أَوْ أَنَّهُ عَابِثٌ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ؛ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْرِفَةَ مَا فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمْ أُبْعَثْ لِأَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا ظَاهِرَ أَمْرِهِمْ» فَأُمِرْنَا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ أَنْ يَؤُمَّنَا بَعْضُنَا فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صلى كما أمر. انتهى.

ورجح العلامة العثيمين رحمه الله نحو هذا القول فقال في من صلى خلف كافر كما في الشرح الممتع: ونحن نعلمُ أنَّه لا يمكن أنْ يُصلِّي مسلمٌ خلفَ كافرٍ، لكن لو فُرضَ أنَّ شخصاً صلَّى خلفَ رَجُلٍ، ولم يعلَمْ أنه كافرٌ إلا بعدَ الصَّلاةِ فهل تلزمُه إعادةُ الصَّلاةِ أو لا؟ الجواب: مِن العلماءِ مَن قال: إنه لا يعيدُ الصَّلاةَ؛ لأنَّه معذورٌ. ومِنهم مَن قال: بل يعيدُ الصَّلاةَ، لأنَّ مِن شرطِ صحَّةِ الإِمامة أن يكونَ الإِمامُ مسلماً. ولو قال قائلٌ: هل يمكن أن نُفَصِّلَ ونقول: إن كانت علامةُ الكفرِ عليه ظاهرةٌ لم تصحَّ، ولم يُعذرْ بالجهلِ لوجود القرينةِ، وإلا فلا؟ فالجواب: يمكن ذلك، فالقولُ الراجحُ في هذه المسألة: أنه إن كان جاهلاً فإن صلاتَه صحيحةٌ. انتهى.

والحاصل أن الواجب عليك وعلى كل من صلى خلف هذا الإمام إعادة جميع ما صليتموه خلفه من صلوات في قول الجمهور، وهو الأحوط والأبرأ للذمة، وعلى التفصيل المذكور لمن سمينا من أهل العلم فالواجب عليك إعادة جميع الصلوات التي صليتها خلف هذا الإمام ما دمت صليت خلفه عالما بكفره، وأما المأمومون الذين لا يعلمون فحكمهم على ما مر من التفصيل. والفرق بين ما إذا كان الإمام معلنا لكفره أو مخفيا له، ولبيان كيفية إعادة تلك الصلوات انظر الفتوى رقم 70806.

والله أعلم.