عنوان الفتوى : درجة الحديث الوارد في مسجد صنعاء الكبير وكيفية تحديد قبلته
بارك الله لنا ولكم في أعمالنا وهدانا وإياكم إلى الصلاح واليقين، أريد أن أسأل عن مسجد صنعاء الكبير وكيفية تحديد قبلته، وما صحة الحديث الذي ورد عنه في كتاب تاريخ صنعاء لمؤلفه كما ورد اسمه في كتاب تاريخ مدينة صنعاء ترجمة، تحقيق: حسين عبد الله العمري نشر دار الفكر المعاصر الصفحة9 الشيخ الإمام الحافظ المحدث أحمد بن عبدالله بن محمد الرازي، وقد ورد الحديث في نفس الكتاب في صفحة127 بعنوان ذكر قدوم وبر بن يحنس الأنصاري إلى صنعاء وبنائه لمسجدها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ينص الحديث أن رسول الله أمر وبر بن يُحنس الأنصاري حين أرسله إلى صنعاء والياً عليها فقال: ادعهم إلى الإيمان فإن أطاعوا لك به فاشرع الصلاة فإذا أطاعوا لك بها فمر ببناء المسجد لهم في بستان بأذان من الصخرة التي في أصل غمدان واستقبل به الجبل الذي يقال له ضين، ومن هو مؤلف الكتاب أي كتاب تاريخ صنعاء الحافظ المحدث أحمد بن عبدالله بن محمد الرازي؟ وما علاقته بعلم الحديث؟ وعمن نقل الحديث؟ وهل ورد هذا الحديث عند غيره؟ وهل هناك أحاديث عن نفس الموضوع؟ وأخيرا ماهي معجزة هذا المسجد أي هل إن تحديد قبلة المسجد الذي يبعد عن مكة قرابة 800 كم بهذه الدقة من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله الخير ونفع بعلمكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الوارد في مسجد صنعاء الكبير وكيفية تحديد قبلته رواه الطبراني عن وبر بن يحنس الخزاعي قال: قال لي رسول الله: إذا بنيت مسجد صنعاء فاجعله عن يمين جبل يقال له ضين. وحسن اسناده الهيثمي في مجمع الزوائد.
وجاء في كتاب تاريخ المساجد الشهيرة لمؤلفه عبدالله سالم نجيب: مسجد صنعاء الجامع هو من أقدم المساجد في الإسلام فقد بني في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبأمره. اهـ
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عدة من أصحابه إلى اليمن، منهم معاذ بن جبل وأبان بن سعيد وفروة مُسَيك ووبر بن يحنس وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم ـ رضي الله عنهم أجمعين... أرسلهم دعاة وهداة، وورد عن كثير منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يبني مسجداً، إلا أن غالبية المؤرخين يميلون إلى أن مسجد صنعاء بني على يد أحد رجلين: إما وبر بن يحنس الأنصاري أو فروة بن مسيك المرادي... روى عبد الرزاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر وبر بن يحنس الأنصاري حين أرسله إلى صنعاء والياً عليها فقال: ادعهم إلى الإيمان، فإن أطاعوا لك به، فاشرع الصلاة، فإذا أطاعوا لك بها فمر ببناء المسجد لهم في بستان باذان، من الصخرة التي في أصل غمدان، واستقبل بها الجبل الذي يقال له: ضِيْن.
وأما أحمد بن عبدالله بن محمد الرازي فهو من المتأخرين وقد زكاه ونوه بكتابه الشيخ بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب الجندي الكندي في كتابه: السلوك في طبقات العلماء والملوك ـ فقال فيه: كتاب أبي العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الرازي أصلا والصنعاني بلدا وهو كتاب يوجد كثيرا بأيدي الناس ... وبلغ فيه إلى ستين وأربعمائة تقريبا وحقق فيه جماعة من أهل اليمن غالبهم من صنعاء والجند وأورد لهم من الآثار كثيرا وحقق من أحوالهم ... ثم إني تتبعت كتابه فرأيت ما يدل على كمال مصنفه ونزاهته عما ينسب إليه أهل ناحيته من الاعتزال والقول بخلاف ما صح عند أهل الطول فقد طالعت كتابه المذكور مرارا ونقلت منه إلى كتابي هذا أخبارا وأخبارا. اهـ.
وأما عن المعجزة في هذا: فلفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني بحث نفيس حول هذه المعجزة قال فيه: لو أنّا أخرجنا خطّاً مستقيماً من وسط المسجد ـ الموقع الذي حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنائه ـ ثم انطلقنا به على استقامته حتى نمرّ به من قمّة جبل ضين ثم أرسلناه أيضا على استقامته خطاً واحداً منطلقاً من قبلة مسجد صنعاء الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم والمحدّد الآن بالمسمورة والمنقورة مارّاً هذا الخط بقمة جبل ضين فإنّا سنجد أنه يصل إلى مكة أولاً ثم يستقرّ في جدار الكعبة متوسِّطاً ما بين الركن والحجر الأسود فتكون النتيجة هكذا خط مستقيم من قبلة المسجد الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببنائه ماراً بقمّة جبل ضين ليصل إلى وسط الكعبة المشرفة، فتكون النتيجة خط مستقيم من المسجد الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببنائه ماراً بقمة جبل ضين ليصل إلى وسط الكعبة المشرفة، فحدد الموضع والمكان بقوله: فمر ببناء المسجد لهم في بستان باذان من الصخرة التي في أصل غمدان ـ فيما كتبه عليه الصلاة والسلام لوبر بن يحنس بأن يبني حائط باذان مسجداً ويجعله من الصخرة إلى موضع جدره، وحدد عليه الصلاة والسلام زاوية ميل مسجد صنعاء من جبل ضين والكعبة بقوله صلى الله عليه وسلم: فأجعله عن يمين جبل يقال له ضين ـ وحدد الجهة الدقيقة للكعبة باستعمال معلم واضح لأهل صنعاء القديمة هو جبل ضين، وجاءت الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية تصور الأرض بمدنها وجبالها وبحارها فقدمت لنا صورة حقيقة للأماكن الثلاثة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد صنعاء، جبل ضين الكعبة ـ فإذا بها تقع على خط مستقيم رغم بعد المسافة وكروية الأرض وعدم توفّر الشروط والوسائل العلمية زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك تم بعبارة سهلة وعلامة واضحة جلية وعمل متقن دقيق، وهوعليه الصلاة والسلام لم يزر اليمن ولا رأى جبل ضين، ولا شاهد بستان باذان ولا الصخرة الململمة ولا يعلم الناس في زمنه المسافة التي تفصل بين مكة وصنعاء كل ما سبق يشهد أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ليس في مقدور بشر في عصره وحتى بعد عصره بقرون طويلة وإنما هو الوحي والعلم الإلهي وصدق الله القائل: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى. اهـ.
والله أعلم.