عنوان الفتوى : حرمة التصرف في المال العام بغير حق
في بعض البلدان يعطى بعض الموظفين والذين يشتغلون في أماكن مرموقة في الدولة هبات سخية من الدولة تصل إلى أكثر من مليون دولار سنويا. فما حكم أخذ الموظفين هذه الهبات مع الدليل لو تكرمتم للاطمئنان؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ميَّز الفقهاء بين المال العام"بيت مال المسلمين" وبين مال ولي الأمر الخاص به، فأجازوا لولي الأمر التصرف في ماله الخاص بما شاء، فله أن يعطي ويمنع، كما يشاء، وأجازوا له التصرف في ماله بغير الأصلح، كما يجوز لغيره، بخلاف المال العام، فلا يجوز له التصرف فيه وفق مشيئته، بل يجب عليه فعل الأصلح ، للقاعدة الشرعية "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"
وبناء على ذلك ذكر الفقهاء أن تصرف ولي الأمر في المال العام إذا خالف فيه الحق، ووضعه في مصارف غير مشروعة، أنه يرد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعية : وليس لولاة الأمور أن يقسموها بحسب أهوائهم، كما يقسم المالك ملكه، فإنما هم أمناء ونواب... ليسوا ملاكا. انتهى.
فدل ذلك على أن ولي الأمر حين يتصرف في المال العام فإنه لا يتصرف فيه بالأصالة، وإنما بالنيابة، فليس له المنع والعطاء من مال المسلمين الذي اؤتمن عليه بإرادته واختياره، كما يفعل المالك الذي أبيح له التصرف في ماله.
وقد جاء الوعيد الشديد في ذلك فعن خولة الأنصارية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة. رواه البخاري. وفي رواية عند الترمذي :إن هذا المال خضرة حلوة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار.
فيجب على ولي الأمر رعاية مصلحة المسلمين في مالهم الذي ائتمنوه عليه ، بحفظه، واستثماره، وإنفاقه على مصالحهم، وأن يحقق العدل فيه بينهم، وأن يشاور ذوي الراي من أهل العلم والاختصاص في كل ما يتعلق به مورداً ومصرفاً.
وتفريعا على هذا التقعيد نقول للسائل الكريم ما يعطاه بعض الموظفين من هبات من قبل ولي الأمر إن غلب على ظنهم كونهم يستحقونه مكافأة على عمل وأن ولي الأمر لم يعطهم إياه محاباة بل فعلا للأصلح والأرشد بالأمة مثلما لو كانت لحث العمال على مضاعفة الجهد وكون المكافأة تناسب ما قاموا به من العمل ونحوه. فلا حرج عليهم في قبولها وتمولها، وأما لو علموا أنه يعطون تلك العطايا بغير حق فيحرم عليهم حينئذ قبولها لأن ذلك من أكل المال العام بغير حق، ولو اشتبه عليهم الأمر فالأسلم للدين والأبرأ للعرض ترك قبولها أوصرفها في مصالح المسلمين ودفعها للفقراء والمساكين .
والله أعلم.