عنوان الفتوى : الكتاب المنسوب إلى ابن عباس رضي الله عنهما في التفسير موضوع عليه

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل كتب الصحابي عبد الله بن عباس تفسير ابن عباس ؟ وهل حادثة " الغرانيق" المذكورة في فتح الباري ثابتة ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
أولا :
هذا الكتاب الذي يعرف بـ "تفسير ابن عباس" كتاب مختلق موضوع ، لا تصح نسبته إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا يعرف عن ابن عباس أنه ألف كتابا لا في التفسير ولا غيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وموسى بن عبد الرحمن هذا – وهو الثقفي الصنعاني - من الكذابين ، قال أبو أحمد بن عدي فيه : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم ابن حبان : دجال يضع الحديث ، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسير ، جمعه من كلام الكلبي ومقاتل " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1 /259) .

وقال السيوطي رحمه الله :
" وأوهى طرقه – يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب " انتهى من "الإتقان في علوم القرآن" (2 /497-498) .

وقال الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله :
" وقد نُسب إلى ابن عباس رضي الله عنه جزء كبير فى التفسير، وطُبع فى مصر مراراً باسم "تنوير المقياس من تفسير ابن عباس" ، جمعه أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادى الشافعى ، صاحب القاموس المحيط ، وقد اطلعتُ على هذا التفسير ، فوجدتُ جامعه يسوق عند الكلام عن البسملة الرواية عن ابن عباس بهذا السند : "أخبرنا عبد الله الثقة بن المأمون الهروى، قال: أخبرنا أبى ، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمود بن محمد الرازى ، قال: أخبرنا عمار بن عبد المجيد الهروى ، قال: أخبرنا على بن إسحاق السمرقندى ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبى ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس .
وعند تفسير أول سورة البقرة وجدته يسوق الكلام بإسناده إلى عبد الله ابن المبارك ، قال: حدثنا علىّ بن إسحاق السمرقندى عن محمد بن مروان ، عن الكلبى ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس .
وفى مبدأ كل سورة يقول : وبإسناده عن ابن عباس .
... وهكذا يظهر لنا جلياً أن جميع ما روى عن ابن عباس فى هذا الكتاب يدور على محمد بن مروان السدى الصغير ، عن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس " .انتهى من "التفسير والمفسرون" (2 /20) .
وقال أيضا :
" وليس للمعترض أن يعترض علينا بتفسير ابن عباس ، فإنه لا تصح نسبته إليه ، بل جمعه الفيروز آبادى ونسبة إليه معتمداً في ذلك على رواية واهية ، هي رواية محمد بن مروان السدى ، عن الكلبي ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس " انتهى من "التفسير والمفسرون" (2 /26) .

وقد نُقِل الشيخ عبد الله الأمين الشنقيطي ابن صاحب أضواء البيان أن هذا التفسير ليس جامعه الفيروز ابادي ، فقد وُجدت مخطوطة له قبل الفيروز ابادي .
ينظر الرابط التالي : www.ahlalhdeeth.com

والسدي هذا : قال الذهبي في ترجمته :
" محمد بن مروان السدى الكوفى ، وهو السدى الصغير ، يروى عن هشام بن عروة والأعمش ، تركوه ، واتهمه بعضهم بالكذب . وهو صاحب الكلبي " انتهى .
"ميزان الاعتدال" (4 /32)
أما الكلبي : فهو محمد بن السائب الكلبي ، أبو النضر الكوفى المفسر ، وهو وضاع مشهور .
قال سفيان : قال لى الكلبي : كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب .
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد بن حنبل: يحل النظر في تفسير الكلبى ؟ قال: لا.
وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه ، يروى عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير ، وأبو صالح لم ير ابن عباس ، ولا سمع الكلبى من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف ، لا يحل ذكره في الكتب، فكيف الاحتجاج به .
"ميزان الاعتدال" (3 /557-559)

وقال ابن معين : " بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن : تفسير الكلبي عن أبى صالح " .
"ميزان الاعتدال" (1 /645)

وهناك بعض الأعمال النافعة التي جمعت مرويات ابن عباس في التفسير ، ويستغنى بها عن مثل هذا الكتاب الزور ، منها كتاب "تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة" لمؤلفه : عبد العزيز بن عبد الله الحميدي .
وأيضا كتاب "ابن عباس ومنهجه في التفسير، وتفسيراته الصحيحة في الثلث الأول من القرآن" لمؤلفه : آدم محمد علي .

ثانيا :
قصة الغرانيق : قد اختلف العلماء حولها من بين مثبت لها ونافٍ ، وقد صح خبرها عن غير واحد من التابعين ، منهم سعيد بن جبير ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وأبو العالية ، وقتادة ، والزهري .
ولكن لم تُرو مسندةً بذكر أحد من الصحابة في خبر صحيح .
قال ابن كثير رحمه الله : " قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغَرَانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5 /441).

فقد يقال : هذه قصة عظيمة ، يجب أن تتوافر الهمم والدواعي على نقلها لو ثبتت ، وحيث إنها لم ترو ولا بسند واحد صحيح ، فإن ذلك يكفي للحكم عليها بعدم الصحة والثبوت .

وقد يقال : يكفي لثبوتها ورودها عن غير واحد من السلف مع صحة الإسناد إليهم ، فضلا عمن رويت عنهم بأسانيد ضعيفة ، وهو مما يدل على أن للقصة أصلا ثابتا .

وقد يقال بالتوسط فيقال : على فرض ثبوتها : يكون ذلك ممّا ألقاه الشيطان في مسامع الكفار ، لا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولعل ذلك هو الأقرب .
راجع جواب السؤال رقم : (4135) ، (103304) .

والله تعالى أعلم .