عنوان الفتوى : وجوب بغض الكافرين والتبرؤ منهم وعدم موالاتهم
يوجد لدي سؤال دائماً يراودني: إن الدين الإسلامي دين تسامح فلماذا بعض الأئمة في المساجد يقومون بالدعاء على الكفار؟! أعتقد أنه لا يوجد مسلم يرضى بالدعاء عليه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ـ وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ـ أخـي لماذا هذه الكراهية للكفار من أهل الكتاب، ولا تعتقد أنني أحبهم فقد راودني هذا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم ـ أيها السائل ـ أن الكراهية لأهل الكتاب أو غيرهم من الكفار ليس لمجرد الهوى وإنما موافقة لله في محابه ومساخطه, وقد جاء الكتاب والسنة بوجوب بغض الكافرين والتبرؤ منهم وعداوتهم وعدم موالاتهم، كما في قوله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ { الممتحنة: 4}.
فأخبرنا ربنا في هذه الآية أن لنا في إبراهيم عليه السلام وأصحابه أسوة حسنة حين تبرؤوا من قومهم وكفروا بهم وأبغضوهم وعادوهم وأنه لا منتهى لهذه العداوة والبغضاء إلا بأن يدخل قومهم في الإيمان بالله وحده, وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ { الممتحنة: 1}.
والآيات الدالة على هذا كثيرة، وهذا هو الموافق للفطرة السليمة، فإن النفس السوية تبغض الجريمة وتبغض فاعلها وكلما كانت الجريمة أفدح وأشنع كانت العداوة والبغض أشد وأعظم, ومن المعلوم أنه لا جريمة أكبر من الكفر بالله تعالى والشرك به وادعاء الند له لا سيما جريمة النصارى الذين سبوا الله تعالى مسبة ما سبها أحد من العالمين حتى قال الله تعالى عن جريمتهم: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا {مريم: 88ـ 89}.
وقوله: شيئا إدا ـ أي منكراً عظيماً، قال الجوهري: الإِدّ والإِدّة الداهِية والأمر الفظيع.
والأسباب الموجبة لبغض النصارى واليهود كثيرة, فأما النصارى فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها: أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزَلَ عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودُفِنَ، فدِينُها عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا واغفري لنا وارحمينا! فدينهم: شرب الخمور، وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله القس والحرام ما حرَّمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب وينجيهم من عذاب السعير، وأما اليهود فتلك لأمة الغضبية، أهل الكذب، والبُهت، والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء وأكلة السُّحْت ـ وهو الرِّبا والرِّشا ـ أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السِّحر، والكذب، والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم حُرْمة، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشّهم، وسليم الناصية ـ وحاشاه أن يوجد بينهم ـ ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم بيوتا، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجية، تحيتهم: لعنة، ولقاؤهم: طيرة شعارهم الغضب، ودثارهم المقت. نقلا من الإبطال لنظرية الخلق بين الأديان للعلامة بكر أبو زيد رحمه الله بتصرف.
ولو أن أحدا من دعاة التسامح سبه سابٌ وأقذع له في السب لأبغضه ونسي تسامحه المزعوم، فكيف يسب الله تعالى ويعصى بتلك العظائم ثم يدعو داع بعد ذلك بعدم كراهية فاعليها وأن الإسلام جاء بالتسامح ولعمر الله إن الإسلام بريء من هذا التسامح المزعوم، وانظر الفتوى رقم: 39214، عن أصول الإسلام المتفق عليها.
والله أعلم.