عنوان الفتوى : الأجل مكتوب ولا يمكن لأحد أن يغير ما قضاه الله عليه
تقدم زميل لي لخطبتي منذ قرابة السنة و كنت مترددة جدا في القبول لعدم إحساسي برغبة تجاهه لكن بعد شهر من التفكير وافقت و ذلك لتوفر عدة صفات جيدة فيه فأخلاقه عالية و ملتزم دينيا و شهادته عالية ، ولأني أريد الستر فقد رفضت عرسانا كثر قبله و مرت فترة لم يعد يأتيني خطاب، و لكن سبحان الله حدثت لنا ظروف في بلدنا فسافر أهلي إلى بلد آخر و تأخر إتمام الخطبة 8 شهور، و خلال هذه الفترة كثيرا ما كنت أفكر بالغاء موافقتي لكن أرجع و أقول بأني أريد الستر ، و لا شيء غيره ، وقد صليت الاستخارة كثيرا ، و بعدعودة أهلي لبلدنا جاء هو و أهله و تيسرت الأمور و قد وافقوا على جميع مطالبنا و تمت الخطبة و سبحان الله فرحت كثيرا في أول شهر من الخطوبة لكن بعد ذلك بدأت تظهر المشاكل لعدة أسباب أحد هذه الأسباب غيرتي الزائدة و شكي به و أني كنت دائما أقارنه بيني و بين نفسي بأشخاص آخرين و أقنع نفسي بأنه أقل منهم و ألوم نفسي على قبول الخطبة(و كنت أمر بحالة غريبة عندما أراه اكون مسرورة و عندما أبتعد عنه و أكون في البيت أحس بضيق شديد و حزن منه)، حتى أنني قد قررت أن أفسخ الخطبة وأخبرت أهلي بذلك لكن أنا لم أكن أظهر له ذلك ، فصليت استخارة على نية فسخ الخطوبة و بدأت بعمل ختمة قرآن ليهديني الله للصواب، لكن بعد فترة أسبوع تراجعت عن قراري و قد كنت كلما أراه أنسى كل حزني و همي وهو للحق كان رجلا مثاليا في كل شيء، و بعد فترة كنت ألح عليه كثيرا ليأتي لزيارتنا و كان هو يرفض المجيء بسبب سوء الأوضاع الامنية عندنا فهو يسكن في مدينة بعيدة عنا و الطرقات غير آمنة في هذه الفترة ،لكني كنت أصر على مجيئه، و في مرة قرر المجيء قال لي سآتي لأثبت لك حبي ، و بعد أن أتى لزيارتنا و قد سررنا جدا يومها و في طريق عودته لبيته توفي هو واثنان من أهله نتيجة إطلاق النار عليهم..و سؤالي هو ؟؟ هل ما حدث ابتلاء من الله لي لأني كنت دائما أتذمر منه و أفكر في تركه ..و هل أعتبر أنا السبب في ما حدث له كوني أنا التي أصريت على أن يأتي لزيارتنا أم أن الموت لا يتغير موعده و هو مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :
فلا شك في أن الأجل مكتوب عند الله تعالى كما قال عز وجل { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } سورة الحديد : 22 , 23 , قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية :
وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ، صغيرها وكبيرها، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير، وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر، فلا ييأسوا ويحزنوا على ما فاتهم، مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه، لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، لا بد من نفوذه ووقوعه، فلا سبيل إلى دفعه .. اهــ .
وكما قال تعالى { ... وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } فاطر : 11 ، فكل شيء بقضاء الله وقدره ,،ولا يمكن للإنسان أن يغير ما قدره الله عليه ، وقد قال تعالى للمنافقين الذين قالوا في غزوة أحد { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } أي لو كان أمر الحرب لنا لم نخرج للقتال ولم يقتل منا أحد فقال الله ردا عليهم {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } أي : لو كنتم قاعدين في بيوتكم لم يكن بدّ من خروج من كتب عليه القتل إلى هذه المصارع التي صرعوا فيها ، فإن قضاء الله لا يردّ ، وبهذا تعلم السائلة أنها لو لم تلح على خطيبها في المجيء لجاء من تلقاء نفسه فأمر قتله مقدر ولا محالة من وقوعه فلتهون على نفسها .
ولا نقول إن قتله وقع بسبب عدم رغبتك فيه أو ترددك في فسخ الخطوبة ولكنه اختبار من الله تعالى كما قال { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } الأنبياء : 35 ، وانظري للفائدة الفتوى رقم: 65828 ، والفتوى رقم: 1151 ، والفتوى رقم: 169031.
والله أعلم.