عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في صلاة النافلة لمن عليه فوائت
علي قضاء سنوات كثيرة، فهل أتوقف عن صلاة السنن الراتبة لأصلي القضاء؟ وأيهما أولى؟ علما بأنني أحب أن أصلي السنن، لما لها من أجر، كما أنني أحب أن أقضي ما علي، ولكنها ستكون كثيرة وأخاف أن أعجز عن أدائها جميعا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه الصلوات فاتت عن تفريط فيجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من التفريط الذي حصل في الماضي، ويجب عليك كذلك أن تقضيها كلها، لأن مذهب جمهور العلماء وجوب قضاء الصلاة سواء تركت عمداً أو سهواً، فإن لم تعلم عددها فلتجتهد في قضاء ما يغلب على ظنك أنه عدد ما فاتك منها وبذلك تبرأ ذمتك ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا يشترط أن تقضي في اليوم عدداً معيناً، بل يجب أن تقضي حسب طاقتك بما لا يضر ببدنك أومعاشك، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فتقضي ما تقدر على قضائه حتى تؤدي ما عليك من دين، وقد اختلف الفقهاء فيمن عليه فوائت الصلاة، هل يتنفل مع القضاء أم يشتغل بالقضاء قدرالمستطاع حتى يقضي سائر ما عليه، لأنه واجب فورا؟ فمنهم من يرى أنه يأتي بالرواتب ويكره له التنفل المطلق، ففي رد المحتار في الفقه الحنفي: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَقُّلُ بِالصَّلَاةِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ، قُلْت: قَدَّمْنَا في قَضَاءِ الْفَوَائِتِ كَرَاهَتَهُ إلَّا فِي الرَّوَاتِبِ وَالرَّغَائِبِ فَلْيُرَاجَعْ. انتهى.
ومنهم من يرى أنه لا يشتغل بالنوافل عن القضاء، لكن لو لم يشتغل بالقضاء، فإن التنفل خير من الترك، ففي حاشية الصاوي على الشرح الصغير في الفقه المالكي: قال أبو عبد الله القوري: النهي عن النفل إنما هو لمن إذا لم يتنفل قضى الفوائت، أما من إذا نهيناه عن النفل ترك بالمرة، فالنفل خير من الترك، وتوقف فيه تلميذه زروق أي لأن الفتوى لا تتبع كسله، بل يشدد عليه. انتهى.
وفرق بعضهم بين الفوات بعذر والفوات بغيرعذر فقال يتنفل مع قضاء الأولى ولا يتنفل مع قضاء الثانية، وهي الفائتة بغير عذر، ففي الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي ـ وهو شافعي: وَمَنْ عليه فَوَائِتُ، فَإِنْ كانت فَائِتَةً بِعُذْرٍ جَازَ له قَضَاءُ النَّوَافِلِ مَعَهَا سَوَاءٌ الرَّاتِبَةُ وَغَيْرُهَا، وَإِنْ كانت فَاتَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لم يَجُزْ له فِعْلُ شَيْءٍ من النَّوَافِلِ قبل قَضَائِهَا، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عليه فَوْرًا وَبِصَرْفِ الزَّمَنِ لِلنَّوَافِلِ تَفُوتُ الْفَوْرِيَّةُ فَلَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ لِقَضَائِهَا وَهِيَ لَا تُوجَدُ إلَّا إنْ صَرَفَ لها جَمِيعَ زَمَنِهِ فَيَجِبُ على من عليه فَوَائِتُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنْ يَصْرِفَ جَمِيعَ زَمَنِهِ إلَى قَضَائِهَا وَلَا يَسْتَثْنِيَ من ذلك إلَّا الزَّمَنَ الذي يَحْتَاجُ إلَى صَرْفِهِ فِيمَا لَا بُدَّ منه من نَحْوِ نَوْمِهِ وَتَحْصِيلِ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ من تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لم يَذْكُرُوهُ، لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فَوْرًا كان مُخَاطَبًا بِهِ خِطَابًا إيجَابِيًّا إلْزَامِيًّا في كل لَحْظَةٍ، فما اُضْطُرَّ لِصَرْفِهِ في غَيْرِ ذلك يعُذْرٍ في التَّأْخِيرِ بِقَدْرِهِ، وما لم يُضْطَرَّ لِصَرْفِهِ في شَيْءٍ يَجِبُ عليه صَرْفُهُ في ذلك الْوَاجِبِ عليه الْفَوْرِيِّ، وَإِلَّا كان عَاصِيًا آثِمًا بِالتَّأْخِيرِ، كما أَنَّهُ عَاصٍ آثِمٌ بِالتَّرْكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: ويقتصر على قضاء الفرائض، ولا يصلي بينها نوافل، ولا سننها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته أربع صلوات يوم الخندق، فأمر بلالاً فأقام فصلى الظهر ثم أمره فأقام فصلى العصر، ثم أمره فأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأقام فصلى العشاء، ولم يذكر أنه صلى بينهما سنة، ولأن المفروضة أهم، فالاشتغال بها أولى، إلا أن تكون الصلوات يسيرة، فلا بأس بقضاء سننها الرواتب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلاة الفجر فقضى سنتها قبلها. انتهى.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 127606.
والله أعلم.