عنوان الفتوى : خلعت نفسها من زوجها الأول بغير رضاه وتزوجت بآخر ، ثم عادت إلى زوجها الأول
تزوجت منذ 27 سنة ، ولدينا ولدان راشدان وحفيدة ، لقد تغير زوجي كثيراً ، وأصبح يتعاطى المخدرات ، فبدأت أضيق منه تدريجياً، وذات يوم كنت أبحث على النت عن حل لمشكلتي معه فصادفت أخاً على قدر من العلم، وقال لي : أنه قد كتب الكثير من الكتب الدينية، وبدأ يتحدث معي عن ما يسمى بـ" الرقائق"، وكان كلامه رائعاً فأعجبني ، ووصلنا إلى درجة أن طلب مني أن أترك زوجي وأتزوجه . وقد ذهبت وتحدثت مع زوجي بكل صراحة عما حدث ، وطلبت منه الطلاق فرفض، فاضطررت إلى مخالعته ، فكتبت إليه رسالة أحرر نفسي منه ، وذهبت وتزوجت ذلك الرجل ، وقد شجعني كثيراً على هذا التصرف ، وقال : بما أن زوجي مدمن فإنه لا حق له عليّ، وأني حرة أفعل ما أشاء ، وأن ما اتخذته من قرار بالخلع هو القرار الصائب . ثم ما إن مضى شهران فقط حتى وجدنا أننا لا نصلح لبعض فطلقني، فعلم زوجي الأول بما حدث فجاء يطلب مني أن أقبله زوجاً من جديد ، ففكرت في الأمر ، ثم قبلت أخيراً وعدنا لبعض . وقد أقنعني أنه لا حاجة لأن نقيم حفلاً إسلامياً جديداً ، لا سيّما وأن الخلع لم يكن خلعاً صحيحاً لأني لم أعطه عوضاً ، واتفقنا على هذا الكلام ولكن سرعان ما بدأت أشك في صحة الوضع الذي نحن فيه الآن ، ومدى موافقته للشرع ، فأرجوا منكم النصح.
الحمد لله
الخلع الذي قمت به من طرفك أنت باطل لا أثر له ؛ فالمرأة لا تملك بنفسها فسخ عقد
النكاح ، سواء كان بالخلع أو الطلاق ، كما أنها لا تملك عقده ؛ بل إن المرأة تختلع
من زوجها ، إن
وجد ما يدعو للخلع ، فإن قبل، فهو الذي يوقع عليها الخلع، أو الطلاق، وإن لم يقبل
ترفع أمرها إلى القاضي الشرعي؛ فإما أن يرغمه على الخلع، أو الطلاق، أو لا .
فإذا تزوجت المرأة بغير زوجها الأول، قبل أن تفارقه فرقة صحيحة، إما بطلاق ، أو فسخ
، أو وفاة : فنكاحها باطل ، بإجماع أهل العلم ؛ فإن كانت عالمة ببطلانه : فهي زانية
، يجب عليها الحد ، وهو كذلك . وإن لم تكن تعلم ذلك ، أو كانت تظن أن من حقها أن
تختلع بنفسها ، وأن خلعها ذلك ماض ، فهي معذورة بجهلها ، ولا يقام عليها الحد ؛ لكن
نكاحها الثاني باطل أيضا ، فيلزمه أن تفارقه ، وتعتد منه ، ثم تعود إلى زوجها الأول
.
قال ابن قدامة رحمه الله :
" فَأَمَّا الْأَنْكِحَةُ الْبَاطِلَةُ، كَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ
الْمُعْتَدَّةِ، أَوْ شِبْهِهِ، فَإِذَا عَلِمَا الْحِلَّ وَالتَّحْرِيمَ، فَهُمَا
زَانِيَانِ، وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ، وَلَا يَلْحَقُ النَّسَبُ فِيهِ ... ،
وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْمَوْتِ فِيهِ،
وَالْإِحْدَادُ، وَكُلُّ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لَهَا " انتهى من "المغني" (7/13) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/123-124) :
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْوَطْءِ
فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ ، كَالنِّكَاحِ بِدُونِ
شُهُودٍ ، أَوْ بِدُونِ وَلِيٍّ ، وَكَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ ، وَنِكَاحِ
الشِّغَارِ . وَيَزِيدُ الْحَنَابِلَةُ ثُبُوتَهُمَا بِالْخَلْوَةِ ؛ لأَنَّهُ
يَنْفُذُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَشْبَهَ الصَّحِيحَ .
وَيَتَّفِقُونَ كَذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ فِي
النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ : بِالْوَطْءِ ، كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ
، وَزَوْجَةِ الْغَيْرِ ، وَالْمَحَارِمِ ، إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ
تُسْقِطُ الْحَدَّ ، بِأَنْ كَانَ لا يَعْلَمُ بِالْحُرْمَةِ ؛ وَلأَنَّ الأَصْلَ
عِنْدَ الْفُقَهَاءِ : أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ فَالْوَلَدُ
لاحِقٌ بِالْوَاطِئِ .
أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ ، بِأَنْ كَانَ
عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ ، فَلا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ،
وَكَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ ؛ لأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ
الْحَدُّ فَلا يَثْبُتُ النَّسَبُ . وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ مَشَايِخِ
الْحَنَفِيَّةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لأَنَّ الْعَقْدَ شُبْهَةٌ.
وينظر أيضا: "الموسوعة الفقهية" (29/339).
وينظر جواب السؤال رقم (171791).
والحاصل:
أن المرأة في كل الأحوال: لا تملك أن تخلع نفسها من زوجها بمفردها، كما حصل منك.
وعليه: فزواجك الثاني من هذا الرجل الكاذب المتلاعب: باطل، لا حكم له؛ ويلزمك أن
تعتدي منه، كالمطلقة .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفي في ذلك أن تستبرئ رحمها بحيضة واحدة .
ينظر : "الشرح الممتع" (13/381-383) .
والله أعلم .