عنوان الفتوى : حكم إجهاض جنين من الاغتصاب بعد بلوغه مائة وعشرين يوما
ما حكم إجهاض الجنين من الاغتصاب في حالة الحرب، مع العلم أن الاغتصاب حدث من قبل ثلاثة جنود، المرأة فى حالة نفسية صعبة حيث هددت بقتل نفسها إذا لم يتم الإجهاض. مع العلم أن هذا الحمل له 120 يوما. أرجو الإجابة بسرعة بسبب أن المسألة عاجلة. شكرا على حسن تعاونكم معا مقدما.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فينبغي أن يعلم أولا أن المرأة التي أكرهت على الزنا لا إثم عليها شرعا لقول الله تعالى: ... وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. سورة النور : 33 , ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْه. رواه ابن ماجه.
فلا يجوز لها أن تؤذي نفسها أو تقتل نفسها لهذا السب، ولا يجوز لأهلها أن يؤذوها فضلا عن أن يقتلوها، وليعلموا أن الله تعالى أغير على أمته من خلقه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما تعجب الصحابة من شدة غيرة سعد : ... أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ... , اهـ. رواه البخاري ومسلم.
فإذا كان الله تعالى تجاوز عن أمته التي أكرهت على الزنا وهو أشد غيرة من أهلها عليها فلا يجوز لهم تعدي حدود الله بقتلها أو ضربها أوإهانتها .
وأما إسقاط الجنين فمن المعلوم أن الجنين تنفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر من الحمل – أي بعد 120 يوما - كما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ... متفق عليه.
والفقهاء وإن اختلفوا في حكم الإجهاض قبل مضي أربعة أشهر إلا أنهم لم يختلفوا في تحريمه بعدها فيما نعلم، لأن في إجهاض الجنين بعد نفخ الروح تعد بيّن وإزهاق لنفس بريئة خلقها الله تعالى.
جاء في الموسوعة الفقهية : حُكْمُ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ : - نَفْخُ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا : إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْل ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْل ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرْسِل الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ . وَلاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ . فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الإِْجْهَاضُ إِجْمَاعًا . وَقَالُوا إِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ بِلاَ خِلاَفٍ ... اهـ.
وعليه فلا يجوز لتلك المرأة أن تسقط حملها، ونوصيها وأهلها بالصبر على قدر الله تعالى، فإن الله جل في علاه يمتحن عباده بالرخاء وبالشدة كما قال تعالى: ... وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ. الأنبياء : 35 , ومن صبر فله الأجر ومن سخط فقد أضاع أجره, وينبغي لأهل العلم عندكم أن يقوموا بتوعية الناس حول هذا الأمر لعلهم أن يخففوا من وطئة المصيبة على أهلها, كما ينبغي للدولة أن تهتم بمن وقعت ضحية الإكراه على الزنا لأن في أهمالهم ضرر كبير عليهم وعلى مجتمعهم، ونسأل الله تعالى أن يفرج كربتهم وينتقم ممن ظلمهم , وانظري الفتوى رقم: 101965, والفتوى رقم: 159751.
والله تعالى أعلم.