عنوان الفتوى : كيفية رد السلام على النصارى وحكم مصادقتهم
يدرس معنا في الجامعة بعض الأفارقة النصارى، وفي بعض الأحيان يسلمون علي فأرد: وعليكم السلام ورحمة الله ـ فهل يجوز لي قول ورحمة الله؟ أم أن الرحمة لا تكون لغير المسلميين؟ مع العلم أنني أجعل علاقتي مع هؤلاء النصارى في أضيق نطاق وأنا حقيقة لا أحبهم ولكن لا أسيء إليهم. ثانيا: لي زميل مسلم يخالط كثيرا هؤلاء النصارى أكثر مما يخالط زملاءه المسلمين وأنشا معهم علاقة صداقة وطيدة جدا، بل خصهم بهذه العلاقة دون زملائه المسلمين ولا يكاد يفارقهم في الجامعة، فهل هذا حلال أم حرام؟ لأن هذا الأمر أظن أنه يتعلق بالولاء والبراء فكيف أستطيع أن أنصحه بالابتعاد عن هؤلاء إن كان ما يفعله حراما؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا سلم هؤلاء النصارى فالمشروع في جوابهم عند كثير من العلماء أو أكثرهم أن تقول: وعليكم، ولا يشرع الزيادة على هذه الكلمة، ومن العلماء من رأى أنه يجوز أن يجابوا ب: وعليكم السلام، ولا يزاد على ذلك الدعاء لهم بالرحمة لأنهم ليسوا من أهلها، قال النووي رحمه الله: وإذا سلم الذمي على مسلم قال في الرد وعليكم ولا يزيد عَلَى هَذَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور، وحكى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَقُولُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَكِنْ لَا يَقُولُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيف. انتهى.
وظاهر كلام العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ أنهم يجابون بمثل ما حيوا به فقد قال ما عبارته: هَذَا كُلُّهُ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَال: السَّامُ عَلَيْكُمْ، أَوْ شَكَّ فِيمَا قَال، فَلَوْ تَحَقَّقَ السَّامِعُ أَنَّ الذِّمِّيَّ قَال لَهُ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ـ لاَ شَكَّ فِيهِ، فَهَل لَهُ أَنْ يَقُول: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَعَلَيْكَ؟ فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الأَْدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ أَنْ يُقَال لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْل وَاللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْل وَالإِْحْسَانِ، وَقَدْ قَال تَعَالَى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ـ فَنَدَبَ إِلَى الْفَضْل، وَأَوْجَبَ الْعَدْل إلى أن قال رحمه الله: فَإِذَا زَال هَذَا السَّبَبُ وَقَال الْكِتَابِيُّ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَالْعَدْل فِي التَّحِيَّةِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ نَظِيرُ سَلاَمِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. انتهى.
والاحتياط في هذه المسألة لا يخفى، وانظر الفتوى رقم: 156437، للأهمية.
وأما صديقك هذا: فلا شك في خطأ ما يفعله وأنه من الموالاة المحرمة، فعليك أن تناصحه بلين ورفق وأن تبين له الآيات الدالة على وجوب موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين وأنه لا يجوز له أن يتخذهم بطانة يصفي لهم المودة ويخلص مصادقتهم دون إخوانه من المؤمنين، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ { آل عمران: 118}.
قال السعدي رحمه الله: هذا تحذير من الله لعباده عن ولاية الكفار واتخاذهم بطانة أو خصيصة وأصدقاء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي. أخرجه أبو داود، وحسنه الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
والله أعلم.