عنوان الفتوى : الحائض إذا طهرت وقت العصر.. هل تقضي الظهر
كنت قد علمت منذ فترة أن الحائض إذا طهرت العشاء عليها قضاء المغرب، وإذا طهرت العصر عليها قضاء الظهر، ولم أكن أقضيهن فيما مضى رغم أني سمعت الحكم من أحدهم ولكني ظننت أنه اعتقاد شخصي أو أن الفقهاء اختلفوا في الأمر. فهل علي الآن قضاء تلك الصلوات وأنا لا أعرف عددها؟ كما أنني كنت أغتسل حين بلغت بدون رؤية القصة البيضاء. فهل صلواتي تلك صحيحة لأنني وقتها لم أكن أعرف عن أمور وأحكام الغسل هذه؟ كما أنني الآن أنتظر الجفاف مدة 24 ساعة فأغتسل وأصلي، وبعدها بيوم أرى القصة البيضاء ولكني لا أغتسل لأنني أعتبر طهري بالجفاف. فهل صلاتي صحيحة أم علي قضاؤها ؟ وبشكل عام إذا شك إنسان بأن عليه قضاء صلوات ولكنه لا يعرف عددها وإنما شك أنه في صغره أخطأ في صلوات أو أضاعها فهل عليه قضاؤها.. وجزاكم الله الجنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن الفقهاء اختلفوا في الحائض إذا طهرت وقت العصر هل عليها قضاء الظهر, وكذا إذا طهرت وقت العشاء هل عليها قضاء المغرب, على قولين ذكرناهما في الفتوى رقم 1074, والفتوى رقم 77121, والقول بوجوب القضاء هو قول الجمهور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد إذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي آخِرِ النَّهَارِ صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَإِذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ صَلَّتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي حَالِ الْعُذْرِ، فَإِذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ النَّهَارِ فَوَقْتُ الظُّهْرِ بَاقٍ فَتُصَلِّيهَا قَبْلَ الْعَصْرِ . وَإِذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَوَقْتُ الْمَغْرِبِ بَاقٍ فِي حَالِ الْعُذْرِ ؛ فَتُصَلِّيهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ . وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ الْمَوَاقِيتَ تَارَةً خَمْسًا وَيَذْكُرُهَا ثَلَاثًا تَارَةً ... اهـ .
وممن ذهب إلى عدم وجوب القضاء وأنه لا يلزمها إلا الصلاة التي طهرت في وقتها العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى حيث قال: القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يلزمها إلا العصر فقط، لأنه لا دليل على وجوب صلاة الظهر، والأصل براءة الذمة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر. ولم يذكر أنه أدرك الظهر، ولو كان الظهر واجباً لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلّم، ولأن المرأة لو حاضت بعد دخول وقت الظهر لم يلزمها إلا قضاء صلاة الظهر دون صلاة العصر مع أن الظهر تجمع إلى العصر، ولا فرق بينها وبين الصورة التي وقع السؤال عنها، وعلى هذا يكون القول الراجح أنه لا يلزمها إلا صلاة العصر فقط لدلالة النص والقياس عليها. وكذلك الشأن فيما لو طهرت قبل خروج وقت العشاء فإنه لا يلزمها إلا صلاة العشاء، ولا تلزمها صلاة المغرب ... اهـ.
وهذا القول له قوة أيضا، والقول بالقضاء أحوط وأبرأ للذمة، فإن استطاعت السائلة أن تقضي تلك الصلوات فهو أفضل، ولا نرى وجوب ذلك عليها وتقدر عدد تلك الصلوات, وإن أخذت بالقول الثاني القائل بعدم وجوب القضاء فنرجو أن لا حرج عليها .
وأما اغتسالها قبل رؤية القصة البيضاء فإن كانت ترى الجفوف بحيث لو أدخلت قطنة أو خرقة في قبلها لخرجت جافة ليس بها أثر الدم فإن اغتسالها صحيح، وقد سبق أن بينا أن من رأت الجفوف لم يجب عليها انتظار القصة البيضاء كما في الفتوى رقم 102817, والفتوى رقم 112441بعنوان: { هل تغتسل بعد الجفوف أم تؤخره إلى القصة البيضاء } , وانظري لمعرفة الجفوف المعتبر للطهر الفتوى رقم 50644, وإن كانت لا ترى الجفوف المعتبر للطهر فإن الواجب عليها أن تنتظر حتى تراه أو ترى القصة البيضاء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر، لأن بعض النساء إذا خف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف ـ يعني القطن ـ فيه الدم فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ... اهـ .
وراجعي في مسائل الشك في قضاء الصلاة الفتوى رقم 141086، والفتوى رقم 134716.
والله تعالى أعلم