عنوان الفتوى : لحم الخنزير بين العلم والدين

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

حكم لحم الخنزير بين العلم والدين

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-

الذي نؤمن به أن أكل لحم الخنزير حرام لأنه رجس، واختلف العلماء في معنى كلمة رجس: هل ضارّ أم نجس أم حرام. والخنزير نفسه كجسم طاهر عند بعض العلماء كالشوكاني، ولكن الرجسية في لحمه ومافي معنى اللحمية من الشحوم والدهون، وعلينا أن نسلم بما أمرنا به ربنا، سواء أعرفنا العلة أم لا إلا أن المجال مفتوح أمام العلماء المختصين ليبينوا لنا معنى الرجسية التي من أجلها حرم الخنزير.

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-

ومن الأعيان النجسة: لحم الخنزير.. وقد قال تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) الأنعام: 145، والرجس هو: النجس، والضمير في قوله تعالى: (فإنه رجس) عائد على لحم الخنزير لا على الخنزير نفسه، فالخنزير نفسه ـ ككل الأحياء ـ طاهر. والأصل هو طهارة كل خلق الله، ثم إن النجاسة تطرأ بعد ذلك، فقد خلق الخنزير طاهرا، ثم طرأت النجاسة على لحمه، عن طريق ما يأكله.

وذهب الإمام الشوكاني في كتابه (السيل الجرار) إلى طهارة لحم الخنزير، مبينا أن المراد من قوله تعالى (فإنه رجس) أي حرام، ولا تلازم بين التحريم والنجاسة، فقد يكون الشيء حراما وهو طاهر، كما في قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) النساء: 23، ونحو ذلك.

ورد على من استدلوا بحديث أبي ثعلبة الخشني، وفيه الأمر بغسل آنية أهل الكتاب، معللا ذلك بأنهم يطبخون فيها لحم الخنزير، ويشربون فيها الخمر، بأن إيجاب الغسل لإزالة ما يحرم أكله وشربه، لا لكونه نجسا، فذلك حكم آخر غير مقصود للشارع، وعلى تقدير الاحتمال ـ تنزلا ـ فلا ينهض المحتمل للاحتجاج به في موضع النزاع .

والحق: أن الآية واضحة الدلالة على رجسية لحم الخنزير، والرجسية هي النجاسة، وتفسير الشوكاني (الرجس) بالحرام غير مقبول، لأنه يعلل الشيء بنفسه، كأنما يقول: حرمت الخنزير لأنه حرام، وهذا لا يليق بالكلام المعجز، ولكن المعنى المقبول: أنه حرِّم الخنزير لأنه خبيث، وقد بعث عليه الصلاة والسلام ليحل للناس الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث.

وقد يقال هنا: إن الخبث لا يعني النجاسة بالضرورة، فقد يُعنى بالخبث الضرر، ومعنى أن الله تعالى لا يحرم إلا خبيثا، أي إلا ضارا. سواء كان ضرره مادياً أم معنوياً، في الفرد أم في الجماعة، في الحال أم في الاستقبال.

وربما توقف بعض الناس في (الخبث) الموجود في الخنزير ما هو؟ ونحن كما قلنا في لعاب الكلب، نقوله في لحم الخنزير: إننا متقيدون بالأوامر والنواهي والتكاليف الشرعية، عرفنا علتها أو لم نعرف، فهو اختبار لإيماننا: هل نحن نطيع ربنا أو نطيع عقولنا فحسب؟ إن الواجب علينا أن نقول فيما نؤمر به، ولا نعقل معناه: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

والله أعلم .