عنوان الفتوى : حكم التوسل بالقرآن لمن فقد شيئا
قال لي شيخ إذا أردت إعادة شيء فقدته فكرر آية: إنه على رجعه لقادر ـ كثيرا وقل يا خدام هذه الآية أعيدوا لي ـ قراءتها من دون ذكر ياخدام هذه الآية، بل طلبت من الله أن يعيد لي، فما رأيكم؟ وهل كل شيء لم يذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يعتقده البعض أن لكل آية أو سورة من سور القرآن خادماً، هو من العقائد الباطلة التي لم ينزل الله بها من سلطان، وقد ذكر أهل العلم أن تخصيص آيات وسور من القرآن بفضائل، أو قضاء حاجات من دون دليل يعتبر من المحدثات، كما قال الدكتور العلامة بكر أبو زيد في كتابه: بدع القراء القديمة والمعاصرة ـ قال رحمه الله: من البدع التخصيص بلا دليل بقراءة آية، أو سورة في زمان، أو مكان، أو لحاجة من الحاجات. انتهى.
ولكن من جهة العموم فلا حرج ـ إن شاء الله ـ في قراءة القرآن على سبيل التوسل إلى الله تعالى لقضاء الحوائج، لأن ذلك من جنس التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، فيشرع قراءة القرآن للتعبد وسؤال الله به ما يشاء العبد من الحاجات، فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه عنه عمران بن حصين: اقرؤوا القرآن وسلوا الله به قبل أن يأتي قوم يقرءون القرآن فيسألون به الناس. رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وعن عمران بن حصين أيضا أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل، فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس. رواه الترمذي وقال: حديث حسن ـ وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
قال المباركفوري في تحفة الأخوذي: فليسأل الله به ـ أي فليطلب من الله تعالى بالقرآن ما شاء من أمور الدنيا والآخرة، أو المراد أنه إذا مر بآية رحمة فليسألها من الله تعالى، وإما أن يدعو الله عقيب القراءة بالأدعية المأثورة. اهـ.
وليس كل شيء لم يذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، ولكنه لا بد من ثبوت ما يدل على المشروعية في المسائل التعبدية فقد ذكر أهل العلم عن السلف الرقية بعدة آيات لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الرقية بها، وقد ذكر بعض أهل العلم أن بعض القرآن له خصائص في العلاج وغيره، قال السيوطي في الإتقان: وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين، وقد ذكر ـ رحمه الله تعالى ـ أشياء مما كان يقرأ بعض الصالحين، ثم قال: وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس موقوفاً في المرأة يعسر عليها ولادها قال: يكتب في قرطاس ثم تسقى باسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون. اهـ.
وقد ذكر ابن القيم عن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر ـ بإذن الله ـ تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور، والآيات هي قوله تعالى: فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ {يونس:81} وقوله: فوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأعراف:118} وقوله: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى {طه:69}.
وقد تكلم الزركشي في البرهان في علوم القرآن على خواص القرآن، وذكر فيه تجارب عن بعض أهل العلم في ذلك، وهذا يدل على أنه لا حرج في قراءة آيات من القرآن وسؤال الله قضاء الحاجات المشروعة، وقد ذكر الزركشي أن هذه الخواص لا ينتفع بها إلا من أخلص قلبه لله وتدبر الكتاب وعمر به قلبه وأعمل به جوارحه وجعله سميره في ليله ونهاره وتمسك به.
وأما دعاء من فقد مالاً أو غيره فقد قال بعض أهل العلم إنه يقرأ هذه الآية: ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد {آل عمران: 9}. ثم يقول: اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين مالي إنك على كل شيء قدير، ففي البداية والنهاية لابن كثير قال: روى الخطيب عن علي بن أبي علي إبراهيم بن محمد الطبري عن جعفر الخلدي قال: ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير فقلت له: زودني، فقال لي: إذا فقدت شيئاً فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا، فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء. انتهى.
والله أعلم.