عنوان الفتوى : بيان خطأ الكاتبة حليمة مظفر في مقالها عن ضرب النساء
بعد تعذر الإجابة من خلال المحادثة أرجو الجواب عن طريق البريد وشكرا، و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلهذه الكاتبة عدة مقالات في موضوع ضرب النساء، ومفادها أنها تنكر على أهل العلم والدعاة نسبتهم للإسلام إباحة ضرب النساء، ولو في بعض الأحيان الاستثنائية، وبالضوابط الشرعية في الكم والكيف والسبب والمآل، وليس أخطر ما في هذه المقالات أنها تتناول القضية بمنظور غربي أو شرقي مستورد، بل أخطر ما فيها هو تأصيلها والتعامل معها على أنها معارضة للقرآن!! وكأن أهل العلم على مر العصور أخطؤوا في فهم القرآن حتى خرج في هذا العصر من يبين لهم المراد ويوضح لهم المعنى، ويا ليت هذه التهمة كانت بسبب الخطأ في الفهم، بل كانت كما تقول الكاتبة: أكثرها نهض على ثقافة المجتمع العربي في تلك الأزمنة من تفسير انطباعي ما يتناسب مع منطق مجتمعه الذكوري!! وهذا الوصف للمجتمع لا يستثني أحداً حتى جيل الصحابة رضي الله عنهم!! وهذا يقتضي أن دخول ضرب الزوجة في كتب الفقه والسنة والآداب الإسلامية كان محض افتراء على الشرع!! وسببه نوعية الثقافة العربية، وتفسير النصوص الشرعية اعتماداً على الهوى في مجتمع ذكوري مبناه على ظلم المرأة وإغفال دورها وإهدار كرامتها وتضييع حقوقها!!! وأما قوله تعالى: وَاللَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء: 34}.
فقد أوَّلته الكاتبة بما ينفي وجود الضرب المعروف، اعتمادا على تعدد معاني الضرب في القرآن، حيث ذهبت تذكر معاني الضرب في الأرض، والضرب على الأذن، وضرب الأمثال، والضرب صفحا عن الشيء، لتخلص في النهاية إلى ما لم يأت به الأوائل!! حيث تقول: إنه يعظها ويهجر مضجعها، ويضربها في بيته، أي يُقيمها في بيته ويمسكها، فمن معاني ضرب: أقام ـ فتقول: رجل ضرب خيمته: أقامها، ولماذا معنى الإمساك بإقامتها ببيتها؟ لأنه قد يفهم بشكل خاطئ أن: واهجروهن في المضاجع ـ أي ترك بيته أو طردها منه، فتأتي: واضربوهن ـ لتزيل الفهم الخاطئ، بـأقيموهن وأمسكوهن في بيوتهن مع استمرار القوامة بمعروف على أمورهن، وهنا نعود للآية في سورة البقرة: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ـ ما يعني أنه لا تناقض بين الآيتين، وقد يُسأل هنا: لماذا لم يستخدم النص القرآني: وأمسكوهن ـ بدلا من: اضربوهن؟ والسبب هو الإعجاز القرآني في الإيجاز، فلم يرد معنى الإمساك فقط، بل استمرار القوامة والإقامة عليها، لأن: ضرّب ـ تأتي بذلك، وليس أدل على تأكيد المعنى من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، فلم يضرب أي زوجة من زوجاته، وحين يغضب يعرض عنهن وُيضربهن في بيته، أي يمسكهن ويستمر في خدمتهن بقوامته عليهن، هذا هو فعل من وصفته السيدة عائشة أم المؤمنين بأن خلقه كان القرآن. اهـ.
ولا يخفى أنه بالإمكان أن نعود على ألفاظ الكاتبة وذوقها العربي وفهمها العجيب، بالنقد والنقض، من حيث السياق والأسلوب العربي، وتعيين المعنى الأصلي للضرب وما يستعار منه من معان بقرائن، ولكننا لن نفعل ذلك، لأنه لا يرفع أصل الإشكال، ولا يؤصل لمنهج عام في التعامل مع مثل هذه الحداثة في التعامل مع النصوص الشرعية بما يعود عليها بالإبطال، وهذا هو الذي نريد التأكيد عليه، ونجمله في مسألتين:
ـ المسألة الأولى: أن أهل العلم لم يختلفوا في مشروعية ضرب الزوجة إذا كان منضبطا بالضوابط الشريعة، في سببه وكمه وكيفه وغايته، ولهذا فإن إنكاره يعتبر مخالفة للإجماع، وإبطالا لدلالة القرآن بالتأويل الفاسد، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن مما يؤدب به الرجل زوجته عند نشوزها الضرب، لقول الله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ـ وللفقهاء تفصيل في كيفية الضرب وما يلزم توافره لمباشرته، فاشترط الفقهاء في ضرب التأديب المشروع إن نشزت الزوجة: أن يكون الضرب غير مدم ولا مبرح ولا شائن ولا مخوف، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة، كاللكزة ونحوها لأن المقصود منه الصلاح لا غير، وقالوا: الضرب المبرح هو ما يعظم ألمه عرفا، أو ما يخشى منه تلف نفس أو عضو، أو ما يورث شيئا فاحشا، أو الشديد، أو المؤثر الشاق. اهـ.
ـ والمسألة الثانية: أن القرآن لابد من فهمه في ضوء السنة، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والعملية مراد الله تعالى في كتابه، ولذلك قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { النحل: 44}.
وقال سبحانه: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ { النحل: 64}.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوضح معنى الآية الكريمة بما لا يدع مجالا للشك ولا للخلاف، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في أكبر محفل شهده وهو حجة الوداع، فكان مما قال صلوات الله وسلامه عليه: اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح. رواه مسلم.
وأما قول السيدة عائشة ـ رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله. رواه مسلم.
فحق، ولا يتعارض مع الآية، وهو الأكمل بلا ريب، لكنه لا ينفي مشروعية الضرب المنضبط بضوابط الشريعة ولذلك قال النووي: فِيهِ أَنَّ ضَرْبَ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّابَّة وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. اهـ.
ويؤيد هذا ما رواه إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم. رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني.
ثم إنه من الممكن أن يفهم قول عائشة على أنه هو الحكم الأغلبي الشائع، وهو لا يتعارض مع الحالات الاستثنائية، فإن النادر لا حكم له، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل، فقال: ما لك يا عائش حشيا رابية؟ قالت: قلت: لا شيء، قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثم قال أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله. رواه مسلم.
واللَّهْدُ: الدَّفْع الشَّدِيدُ فِي الصَّدر ـ كما قال ابن الأثير في النهاية.
فهذا فيه استعمال النبي صلى الله عليه وسلم ليده استعمالا موجعا مع أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 69
والله أعلم.