عنوان الفتوى : حكم من فضل نبي الله عيسى على خاتم النبيين
يوجد شخص هندي مسيحي أسلم منذ 16 عاما، ثم بدأ هذه الأيام يتحدث على أن المسيح عليه السلام هو أقوى من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهل يعتبر ذلك ارتداد عن الدين ويجب تطليق زوجته المسلمة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:
فلا شك في خطأ من فضَّل أحدا من الأنبياء على رسول الله الخاتم محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، قال القاضي عياض في الشفا: تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر وإجماع الأمة كونه أكرم البشر وأفضل الأنبياء. اهـ.
وقال ابن حزم في الفصل: لا خلاف في أنه ـ يعني نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ـ أفضل الناس. اهـ.
وقال الدكتور محمد الشظيفي في رسالته للدكتوراة: مباحث المفاضلة في العقيدة ـ محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء على الإطلاق، بل هو خير الخلائق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه، وقد جاءت في ذلك نصوص لا تحصى كثرة فيما أوحاه الله عز وجل في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيما كتب وروي من أقوال الأئمة المهديين من السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ وفصَّل ذلك ثم قال: فالحاصل أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق ولا يلتفت إلى غير هذا. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 17527.
ولو كان هذا التفضيل لأحد غير الأنبياء لكان كفرا مجردا لا يشك فيه، وقد نقل ابن حزم قول الباقلاني: جائز أن يكون في هذه الأمة من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين بعث إلى أن مات، وقول أبي هاشم الجبائي: إنه لو طال عمر إنسان من المسلمين في الأعمال الصالحة لأمكن أن يوازي عمل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وهذه الأقوال كفر مجرد لا تردد فيه، وحاشا لله تعالى من أن يكون أحد عُمِّر عُمْر الدهر يلحق فضل صاحب، فكيف فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو نبي من الأنبياء عليهم السلام، فكيف أن يكون أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا ما لا تقبله نفس مسلم. اهـ.
وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي في أصول الدين: زعم قوم من غلاة الروافض أن الأنبياء والأئمة متساوون في الدرجات، ولكل منهم في دوره من الفضل ما للآخر في دوره، وخلاف هؤلاء غير معدود في أحكام الشريعة لإلحادهم في صفات الأئمة. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: من فضل أحدا من المشايخ على النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتقد أن أحدا يستغني عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم استتيب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. اهـ.
ولم نقف بحسب ما أمكننا البحث على كلام لأحد من أهل العلم في خصوص حكم من فضَّل نبيا من الأنبياء على نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، من حيث الكفر وعدمه، إلا ما قد يفهم من قول الأستاذ أبي منصور البغدادي في أصول الدين ص 186: زعم قوم من منتحلي الإسلام أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن أفضل من إبراهيم ولا من نوح ولا من آدم عليهم السلام، لأن هؤلاء الثلاثة آباؤه، وامتنعوا من تفضيل الابن على الأب، وفضلوه على موسى وعيسى وكل نبي لم يكن أباً له، وقياسهم يقتضي أن لا يكون أفضل من إدريس ولا من إسماعيل، لأنهما أبواه، وزعم ضرار أنه لم يكن بعض الأنبياء أفضل من بعض. اهـ.
وبما أننا لم نجد كلاما لأهل العلم بخصوص هذه الجزئية، فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنه لا يصح إطلاق الكفر في حق من فضل نبيا من الأنبياء على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لمكان التأويل والاشتباه، ولا سيما وقد ثبت النهي عن التخيير بين الأنبياء والمفاضلة بينهم، مما يعذر به من لم يجزم بأفضلية النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، فذهب إليه فقال: أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لم لطمت وجهه؟ فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رئي في وجهه ثم قال: لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور؟ أم بعث قبلي؟ ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى. متفق عليه.
والمقصود أنه لا ينبغي التسرع في الحكم بالكفر على من قال: المسيح عليه السلام أقوى بمعنى أفضل من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم!! بل ينبغي أن يُعلَّم ويعرَّف ويرفق به في هذا السبيل، استنقاذا له من الضلالة، فقد يكون مراده أن نبي الله عيسى قد أوتي من الآيات ما هو أظهر وأقوى في الدلالة من بعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي { المائدة: 110}.
وقوله عز وجل: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { آل عمران: 49}.
ومثل هذا يعذر لجهله بالمعجزات الحسية التي أيَّد الله بها نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم ولم يُنَص عليها في القرآن.
هذا وننبه على أن الحكم بالردة على الأعيان وما يترتب عليه من التفريق بين الزوجين، لا يكون لآحاد الناس، وإنما يكون للقضاء الشرعي الذي يتولاه ثقات أهل العلم، وقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول إسلامه بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول، أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفراً أكبر مخرجا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر ومع ذلك، فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير معذور بجهل، أو تأويل، وقد سبق لنا بيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول إسلامه بالشك، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 72110639653835.