أرشيف المقالات

حزميات في إصلاح النفس (1)

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
حزميات في إصلاح النفس (1)
 
يعتبر العالم الرباني ابن حزم أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456 ه) من أشهر أئمة المسلمين، من بيت عريق ذا ثراء وجاه ووزارة فأبوه رأس الوزارة أيام الدولة العامرية، كما أنه يرحمه الله ترأس الوزارة من بعد والده قبل أن يتفرغ للعلم تحصيلا وبذلا، وشخصيته يرحمه الله شخصية عالم مجرب لذوي الرئاسات وعالمًا بالوسط الاجتماعي الذين يعيش فيه، وعلى كثرة مؤلفاته العلمية التي حوت فنونًا شتى إلا أن كتابه (مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق ) يعد مرجعًا في فهم النفس البشرية وتزكيتها والغوص في تحليلاتها، "فما فيه حكم من الحياة وعبر من الأيام ومواعظ للزمان حريّ أن ينهل منه كل مرء، فما تجده بين عباراته صدق لهجته يرحمه الله وعبارات الأسى التي يكنّها فؤاده وتزهده عن الدنيا قل أن تجدها في تجربة أخرى، من هنا تجده يرحمه الله يطيل الوقوف ويمعن النظر في نفوس البشر ويحلل بفكره المتقد في ثناياها، ويغوص في أعماقها بحثا عن الداء والدواء"[1].
 
ولا شك أن التجربة التي مر بها ابن حزم تعد تجربة فريدة لعالم مجرب للناس ومجرب للطبقة العليا من المجتمع التي تغوص في الملهيات ولا تستعين على إصلاح نفسها ركضًا خلف المغريات، فهي تجربة ليست كغيرها من التجارب التي تأتي بين المرء ونفسه أو بين المرء ودراساته النظرية التي تفتقد لمعايشة الواقع واستيعاب للأسباب والدوافع، ولذا لعظم التجربة فقد كانت سببًا في تخفيف ركن من أركان الاسلام فتجربة موسى مع قومه كون أمة موسى كلفت من الصلوات ما لم يكلف به غيرها من الأمم ثقلت عليهم فأشفق موسى على أمة محمد- عليهما الصلاة والسلام- من مثل ذلك ويشير إلى ذلك قول موسى: «إني قد جربت الناس قبلك» إذ لولا التجربة لما كان التخفيف والرحمة لهذه الأمة.
 

فجاءت هذه النفحات من كلمات ابن حزم نحاول أن نعيشها ونحللها في واقعنا الذي يحتاج لمثل هذه المنارات في فهم النفس ونسعى لأن نبحر فيها لنصل للتزكية ونصل للفلاح ويشملنا عظيم المن والفضل، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9].




[1] من مقدمة محقق الكتاب عبدالرحمن محمد عثمان بتصرف.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢