عنوان الفتوى : حكم من اعتقد أن النبي يوسف أجمل وجها وداود أندى صوتا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
ما حكم من اعتقد أن نبي الله يوسف أجمل من نبي الله محمد عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ لأن الله أعطى يوسف شطر الجمال؟ وما حكم من اعتقد أن صوت نبي الله داود أجمل من صوت نبي الله محمد عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ لأن النبي داود أعطاه الله مزامير لتلاوة الكتاب المنزل عليه؟ مع العلم أن حديث: ما بعث الله نبيا إلا كان حسن الوجه، ونبيكم أحسنهم وجها، حديث ضعيف، وضعفه الألباني وغيره من أهل العلم. وما حكم شخص اعتقد أن الله لم يكلم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما عرج به إلى العرش في رحلة الإسراء والمعراج مثل ما كلم الله نبينا موسى عليه الصلاة والسلام، وقال إن منزلة التكليم اختصاص من الله لنبيه موسى لا لغيره من الأنبياء من ولد آدم؛ لقوله تعالى: {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي}. هل أي من هذه الأقوال مخرجة من الإسلام والملة؟. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كان أجمل الخلق على الإطلاق؛ فلا يجوز اعتقاد كون يوسف أجمل منه، ولا كون داود أحسن صوتا منه، ففي الصحيحين وغيرهما عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى الله عليه وسلم: كان أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس... وفي الصحيحين من حديث البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أنه سئل: أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف، قال: لا بل مثل القمر.
وقال صاحب قرة الأبصار في سيرة المشفع المختار:
وكان أجمل الورى وأكملا خلقا وخلقا بل لعمري أفضلا
وقال الحافظ ابن حجر وهو يشرح حديث المعراج عند قوله صلى الله عليه وسلم في يوسف: أوتي شطر الحسن، قال الحافظ: لكن روى الترمذي من حديث أنس: ما بعث الله نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتا، فعلى هذا فيحمل حديث المعراج على أن المراد غير النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده قول من قال: إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه، وأما حديث الباب فقد حمله ابن المنير على أن المراد أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. انتهى.
وفي شرح الشفا للملا علي القاري (1/ 330): (وكان نبيكم أحسنهم وجها، وأحسنهم صوتا صلى الله تعالى عليه وسلم) أي من الكل فيشتمل حسن صورة يوسف وصوت داود باعتبار الصباحة والملاحة وزيادة البلاغة والفصاحة، هذا وقد قيل يوسف أعطي شطر حسن آدم وقيل شطر حسن جدته سارة لأنها لم تفارق الحور إلا فيما يعتري الآدمية من الحيض وغيره، وقد أعطي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كمال الجلال والجمال من تمام الصباحة فما رآه أحد إلا هابه ومن تمام الملاحة فما رآه أحد إلا أحبه ... اهـ
وفي بدائع الفوائد لابن القيم (3/ 206): فائدة: قول النبي صلى الله عليه وسلم عن يوسف "أوتى شطر الحسن " قالت طائفة المراد منه أن يوسف أوتي شطر الحسن الذي أوتيه محمد فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية في الحسن، ويوسف بلغ شطر تلك الغاية، قالوا ويحقق ذلك ما رواه الترمذي من حديث قتادة عن أنس قال: "ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا"، والظاهر أن معناه أن يوسف عليه السلام اختص على الناس بشطر الحسن، واشترك الناس كلهم في شطره فانفرد عنهم بشطره وحده، وهذا ظاهر اللفظ فلمإذا يعدل عنه واللام في الحسن للجنس لا للحسن المعين والمعهود المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم وما أدري ما الذي حملهم علي العدول عن هذا إلى ما ذكروه، وحديث أنس لا ينافى هذا بل يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الأنبياء وجها وأحسنهم صوتا، ولا يلزم من كونه أحسنهم وجها أن لا يكون يوسف اختص عن الناس بشطر الحسن واشتركوا هم في الشطر الآخر، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم شارك يوسف فيما اختص به من الشطر وزاد عليه بحسن آخر من الشطر الثاني. والله أعلم. اهـ
وقد ثبت تكليم الله تعالي لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم في الصحيحين، فلا يجوز إنكار ذلك لما فيه من تكذيب خبر النبي صلي الله عليه وسلم الثابت عنه فقد ثبت في صحيح البخاري في حديث الاسراء (1/ 79): ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي ... اهـ
وفي رواية مسلم (1/ 146): فأوحى الله إلي ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب، خفف على أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عني خمسا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. اهـ
ولكنه لا يحصل الكفر بإنكاره إن لم يكن يعتقد ثبوته عن النبي صلي الله عليه وسلم بخلاف من أنكر كلام الله مطلقا، أو أنكر ما في القرآن من تكليمه لموسى، أو أنكر حديثا ثابتا بعد ثبوته عنده قال شيخ الاسلام في الفتاوى: قال الخلال في كتاب السنة ردا على الجهمية الضلال: وروى عن يعقوب بن بختان أن أبا عبد الله سئل عمن زعم أن الله لا يتكلم بصوت, قال بلى تكلم بصوت وهذه الأحاديث كما جاءت نرويها لكل حديث وجه يريدون أن يموهوا على الناس, من زعم أن الله لم يكلم موسى فهو كافر ... اهـ
وأما من أنكر خبر الآحاد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اختلف فيه، والصحيح كفره إن اعتقد ثبوته ولم يكن متأولاً، قال إسحاق بن راهويه: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر. وقال السيوطي: من أنكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه كفر وخرج عن دائرة الإسلام. والمقصود بالإنكار الذي يكفر صاحبه به هو إنكار الجحود والاستكبار لا إنكار التأويل كما قال القاضي عياض في كتابه الشفا 2/73وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئا. اهـ.
وقال أيضا: ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنا وظاهرا لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق... ثم ان المقالة تكون كفرا: كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب وهذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول ... اهـ.
وقال الشيخ حافظ حكمي في معارج القبول: البدع بحسب إخلالها بالدين قسمان: مكفرة لمنتحلها، وغير مكفرة، فضابط البدعة المكفرة: من أنكر أمرا مجمعا عليه متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة، من جحود مفروض، أو فرض ما لم يفرض، أو إحلال محرم، أو تحريم حلال، أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه من نفي، أو إثبات؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله صلى الله عليهم وسلم، كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل والقول بخلق القرآن، أو خلق أي صفة من صفات الله، وإنكار أن يكون الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وغير ذلك، وكبدعة القدرية في إنكار علم الله عز وجل وأفعاله وقضائه وقدره، وكبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه، وغير ذلك من الأهواء، ولكن هؤلاء منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه، فهذا مقطوع بكفره، بل هو أجنبي عن الدين من أعدى عدو له، وآخرون مغرورون ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم وإلزامهم بها. ....اهـ.