عنوان الفتوى : وصية لجميع المسلمين بمناسبة غزو العراق للكويت
س: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، هناك هلع وفزع أصاب بعض المسلمين في هذا البلد من جراء قرب توقع الحرب؛ حيث بادر الكثير بشراء السلع والمواد الغذائية بكميات كبيرة بغية تخزينها، إضافة إلى قيام البعض الآخر بالاستعداد لمغادرة مدينة الرياض خوفًا من نشوب الحرب، فهل هناك من كلمة توجهونها لهم بهذا الشأن؟
ج: بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن وصيتي لجميع المسلمين في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج وفي كل مكان أن يتقوا الله وأن يستقيموا على دينه في جميع الأوقات، ولاسيما في مثل هذه الظروف التي لا تخفى على الجميع، وهي ما جرى من الأحداث في الخليج بأسباب عدوان حاكم العراق على دولة الكويت.
والواجب على المسلمين دائما أن يتقوا الله ، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم من قول وعمل؛ لأن الطاعات هي سبب الخير في الدنيا والآخرة، وهي سبب الأمن والسعادة وإطفاء الفتن، أما المعاصي فهي أسباب الشر في الدنيا والآخرة. وكل خير في الدنيا والآخرة فسببه طاعة الله واتباع شريعته، وكل شر في الدنيا والآخرة فسببه معصية الله والكفر به والانحراف عن دينه.
وهذه الأحداث التي وقعت في الخليج أسبابها ما قدمته أيدي العباد من مخالفة لأمر الله وانتهاك لمحارم الله، كما قال الله في كتابه الكريم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30] وقال : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41] وقال سبحانه: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ الآية [النساء: 79].
فالواجب على كل مسلم أن يحاسب نفسه وأن يراقب ربه، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، والمبادرة بالتوبة الصادقة من جميع الذنوب كما قال الله سبحانه وتعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم: 8].
والتوبة النصوح هي المشتملة على الندم على ما مضى من المعاصي، وعلى الإقلاع منها وتركها والحذر منها، وعلى العزم الصادق على عدم العودة إليها؛ طاعة لله وتعظيما له وإخلاصا له ورغبة فيما عنده وحذرا من عقابه سبحانه وتعالى. وبهذا تدفع الشرور ويحصل الأمن ويشتت الله الأعداء ويذلهم ويجعل دائرة السوء عليهم كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7].
ومن نصر الله الاستقامة على طاعته والتوبة إليه من جميع المعاصي والإعداد لجهاد الأعداء والصبر والمصابرة في جهادهم، وبذلك يحصل النصر والتأييد لأولياء الله وأهل طاعته، ويحصل الإذلال والهزيمة على أعداء الله؛ لقول الله سبحانه: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 40 - 41].
ولا شك أن حاكم العراق تعدى وظلم وبغى على جيرانه وأحدث فتنة عظيمة سوف يجد عقابها وجزاءها في العاجل والآجل إلا أن يتوب إلى الله توبة صادقة ويؤدي الحق لأهله.
والواجب جهاده حتى يخرج من الكويت ويرجع إلى الحق والصواب، والمجاهدون لهذا الطاغية على خير عظيم، فمن أخلص لله في جهاده فهو إن عاش عاش حميدا مأجورا عظيم الأجر، وإن قُتِل قُتِل شهيدا لكونه جاهد في سبيل الله لإنقاذ وطن مسلم ولنصر مظلومين ولردع ظالم تعدى وبغى وظلم مع كفره وخبث عقيدته الإلحادية.
ووصيتي للمسلمين جميعًا أن يحسنوا ظنهم بالله وأن يطمئنوا لنصره عز وجل، فهو سبحانه الناصر لأوليائه وأهل طاعته، وهو الذي يقول جل وعلا: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49] فالعاقبة لأهل الإيمان المتقين لله قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38].
وقد خان الأمانة هذا الطاغية - طاغية العراق- وكفر النعمة وأساء إلى جيرانه بعدما أحسنوا إليه وساعدوه في أوقاته الحرجة، ولكنه كفر النعمة وأساء الجوار وظلم وتعدى، وسوف يجد العاقبة الوخيمة لقول النبي ﷺ: ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله به العقوبة من البغي وقطيعة الرحم وهذا قد بغى وظلم، والله جل وعلا يقول: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان: 19] ويقول سبحانه: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [الشورى: 8].
والواجب الأخذ بالأسباب وقت الحرب، فعلى المسلمين أن يتخذوا الأسباب التي تنفعهم في وقت الحرب، فهم مأمورون بأخذ الأسباب في جميع الأمور، كما أنهم مأمورون بأخذ السلاح والإعداد للعدو، وهم مأمورون أيضا بالأسباب الأخرى كحاجتهم وحاجات بيوتهم من الطعام والزاد وغير ذلك، كل ذلك مأمورون به ولا حرج فيه، لكن مع حسن ظنهم بالله ومع الاستقامة على دينه ومع التوبة إليه سبحانه من جميع الذنوب، هذا هو الواجب على الجميع، والأسباب هم مأمورون بها وهي حق ولكنها من التوكل. والتوكل على الله واجب في جميع الأمور، وهو يشمل أمرين:
أحدهما: الثقة بالله والاعتماد عليه، والإيمان بأنه الناصر، وأنه مصرف الأمور، وأن بيده كل شيء سبحانه وتعالى.
والأمر الثاني: الأخذ بالأسباب من جميع الوجوه؛ لأن الله أمر بها، قال سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: 71] وقال تعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ الآية [النساء: 102] وقد لبس النبي ﷺ يوم أحد درعين، وأخذ بالأسباب في يوم بدر وفي يوم الخندق (يوم الأحزاب)، وهكذا يوم الفتح، كل هذا من باب الأسباب.
فالإعداد للعدو بالأسباب التي توقي شر الحروب وإعداد ما يحتاجه العوائل والبيوت كل ذلك أمر مطلوب وليس فيه مخالفة لأمر الله، وليس فيه أيضا إخلال بالتوكل، بل التوكل يشمل الأمرين: الثقة بالله والاعتماد عليه، والإيمان بأنه الناصر جل وعلا مع الأخذ بالأسباب، هذا ما يجب على المسلمين.
ونسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يهزم حاكم العراق ويشتت شمله، وأن يدير عليه دائرة السوء، وينصر المسلمين عليه ويعينهم على كل خير، وأن ينصر المظلومين ويعيد إليهم بلادهم، وأن يهديهم وجميع المسلمين سواء السبيل.
وأن يجعل العاقبة حميدة للجميع، وأن يجعل هذه الحوادث عظة للمؤمنين وسببا لاستقامتهم على دينهم، وسببا لتوبة الجميع من كل ذنب، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[1].
--------------------