عنوان الفتوى : الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا غير محرم .
في كتاب صحيح مسلم، كتاب 8، الحديث رقم 3285 يخبرنا أن السيدة ميمونة تزوجت من النبي محمد صلى الله عليه وسلم بينما لم يكن في حالة الإحرام بينما قال ابن عباس في صحيح البخاري، الجزء 5، كتاب 59، الحديث رقم 559، أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة ميمونة بينما كان محرما. هل يعني هذا أن السيدة ميمونة تزوجت من النبي وهو محرم؟ وكيف تفرقون بين الحديثين؟ وما هو القول الأصح؟
الحمد لله.
" اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ . فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ لاَ يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ وَلِيًّا عَقَدَ النِّكَاحَ لِمَنْ يَلِيهِ أَوْ وَكِيلاً عَقَدَ النِّكَاحَ لِمُوَكِّلِهِ ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ ) رواه مسلم (1409) .
وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ حَتَّى وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ مُحْرِمَيْنِ ، لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ " رواه البخاري (1837) ومسلم (1410) " .انتهى من"الموسوعة الفقهية" (41 /349-350)
وروى أبو داود (1843) عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ
عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : " تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ "
ورواه مسلم (1411) عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ
الْحَارِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا
وَهُوَ حَلَالٌ . قَالَ : وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وروى أحمد (26656) عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرَّسُولَ
بَيْنَهُمَا .
صححه ابن القيم في "الزاد" (3/373)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا ". انتهى
من"مجموع الفتاوى" (18 /73)
وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام ، هو الذي عليه أكثر الصحابة وجمهور أهل العلم : أن
النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة رضي الله عنها حلالا ، ولهم عن حديث ابن عباس
أجوبة ، أصحها أنه وهم منه رضي الله عنه ، حيث ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم
تزوجها وهو محرم .
قال ابن القيم رحمه الله :
" واختُلِفَ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، هل تزوَّج ميمونةَ حلالاً أو
حراماً ؟ فقال ابنُ عباس : تزوَّجها مُحْرِمَاً ، وقال أبو رافع : تزوَّجها حلالاً
، وكنتُ الرسولَ بينهما . وقولُ أبى رافع أرجح لعدة أوجه :
أحدها : أنه إذ ذاك كان رجلاً بالغاً ، وابنُ عباس لم يكن حينئذ ممن بلغ الحُلم ،
بل كان له نحو العشر سنين ، فأبو رافع إذ ذاك كان أحفظَ منه .
الثانى : أنه كان الرسولَ بين رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبينها
، وعلى يده دارَ الحديثُ ، فهو أعلم به مِنه بلا شك ، وقد أشار بنفسه إلى هذا
إشارةَ متحقِّق له ، ومتيقِّن ، لم ينقله عن غيره ، بل باشره بنفسه .
الثالث : أن ابن عباس لم يكن معه في تلك العُمرة ، فإنها كانت عُمرةَ القضية ، وكان
ابنُ عباس إذ ذاك من المستضعفين الذين عَذَرَهُمُ اللهُ مِن الوِلدان ، وإنما سمع
القِصَّة مِن غير حضور منه لها .
الرابع : أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل مكة ، بدأ بالطواف بالبيت
، ثم سعى بينَ الصفا والمروة ، وحلق ، ثم حَلَّ .
ومن المعلوم : أنه لم يتزوج بها في طريقه ، ولا بدأ بالتزويج بها قبلَ الطواف
بالبيت ، ولا تزوَّج في حال طوافه ، هذا من المعلوم أنه لم يقع ، فصحَّ قولُ أبى
رافع يقيناً .
الخامس : أن الصحابة رضي عنهم غَلَّطُوا ابنَ عباس ، ولم يُغلِّطُوا أبا رافع .
السادس : أن قولَ أبى رافع موافِقٌ لنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن نِكاح المُحْرِمِ ، وقول ابن عباس يُخالفه ، وهو مستلزِم لأحد أمرين ، إما
لنسخه، وإما لتخصيص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجواز النِّكاحِ
محرماً ، وكلا الأمرين مخالِف للأصل ليس عليه دليل ، فلا يُقبل .
السابع : أن ابنَ أختها يزيد بن الأصم شهد أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تزوَّجها حلالاً قال : وكانت خالتي وخالة ابنِ عباس . ذكره مسلم ". انتهى
من"زاد المعاد" (5 /112-124)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قَالَ الْأَثْرَم : قُلْت لِأَحْمَد إِنَّ أَبَا ثَوْر يَقُول بِأَيِّ شَيْء
يَدْفَع حَدِيث اِبْن عَبَّاس - أَيْ مَعَ صِحَّته - قَالَ فَقَالَ : اللَّه
الْمُسْتَعَان ، اِبْن الْمُسَيِّب يَقُول : وَهَمَ اِبْن عَبَّاس ، وَمَيْمُونَة
تَقُول تَزَوَّجَنِي وَهُوَ حَلَال " . انتهى
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ :
"الرِّوَايَة أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَال ، جَاءَتْ مِنْ طُرُق شَتَّى ،
وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس صَحِيح الْإِسْنَاد ، لَكِنَّ الْوَهْمَ إِلَى الْوَاحِد
أَقْرَب إِلَى الْوَهْم مِنْ الْجَمَاعَة ، فَأَقَلّ أَحْوَال الْخَبَرَيْنِ أَنْ
يَتَعَارَضَا فَتُطْلَب الْحُجَّة مِنْ غَيْرهمَا ، وَحَدِيث عُثْمَان صَحِيح فِي
مَنْعِ نِكَاح الْمُحْرِم ، فَهُوَ الْمُعْتَمَد " .انتهى
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" وميمونة أعلم بنفسها وأبو رافع صاحب القصة وهو السفير فيها فهما أعلم بذلك من ابن
عباس وأولى بالتقديم لو كان ابن عباس كبيرا ، فكيف وقد كان صغيرا ولا يعرف حقائق
الأمور ولا يقف عليها . وقد أنكر عليه هذا القول ، وقال سعيد بن المسيب : وهم ابن
عباس ما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم إلا حلالا . فكيف يعمل بحديث هذا حاله ؟
ويمكن حمل قوله وهو محرم أي في الشهر الحرام أو في البلد الحرام كما قيل :
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ". انتهى من"المغني" (3 /318)
والخلاصة :
أن الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة رضي الله عنها في غير حال
الإحرام ، وهذا ثابت مقطوع به لولا حديث ابن عباس ، وقد رجح عامة أهل العلم أنه
أوهم في هذا الحديث ؛ حيث ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم ، وبنى
ذلك على قرائن لديه رضي الله عنه ، ومثل هذا لا يقاوم الخبر الثابت عن ميمونة وأبي
رافع رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال غير محرم .
والله تعالى أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |