ضرورة إنزال الناس منازلهم
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
ضرورة إنزال الناس منازلهم [1]الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحابته الأبرار الأخيار أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم المآل والدين.
وبعد:
فنحن في هذه العجالة البسيطة نريد أن نبيَّن حقيقةً لا مهرب منها أن الله سبحانه وتعالى جعل قَدَرَهُ في الإنسان الذي أكرمه بالعقل والحكمة، وأوكل إليه أموراً ومهاماً خطيرةً في بناء الحياة وعمارتها، وكلٌّ حسب توجهه وقدرته وطاقته، وجعل الدائرة مكتملة، لتستقيم الحياة حتى نهايتِها، فكلُّ واحد منهم يُكَمِّلُ الآخر، وهذا الأمر قديم قدم خلق الإنسان، وسيستمر إلى قيام الساعة، قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾[2]، وهذا التقويم الرباني لغرض عمارة الأرض وازدهارها وبنائها، وعمارة الأرض لا تتم إلاَّ بعقول سليمة وقدرة متميزة خالية من الغش والتلاعب والظلم.
والعقل السليم هو الذي تقوم عليه الحياة، قال الله تعالى: ﴿ أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيَفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشدَّ مِنْهُمْ قُوَةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا ﴾ [3]، والحاجة تدعو إلى أن يُصنَّف الناس إلى أصناف شتى، كلٌّ حسب اختصاصه وعمله وقدرته وعلميته، لهذا تطلب منّا تبيان حقيقة ما نقول، ليتعلم كلُّ مسلم من هذه الموعظة كيف يُنزل الناس منازلهم، وهذا من باب أولى؛ ليتحقق الاحترام المتبادل والأمثل، وتسير الحياة نحو العطاء والبناء والرقي والتقدم.
هذا هو الغرض من إعداد هذا البحث الميسر ذي الأسلوب البسيط، ولما سئل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الناس، قال: (الناس ثلاثة: رجل، ونصف رجل، ولا رجل، فأما الرجل، فذو الرأي والمشورة، وأما الرجل الذي هو نصف رجل، فالذي له رأي ولا يشاور، وأما الذي ليس برجل، فالذي ليس له رأي ولا يشاور)[4].
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم:
(قال (رحمه الله): وقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم، هذا الحديث قد تقدم بيانه في فصل التعليق من الفصول المتقدمة واضحاً ومن فوائده تفاضل الناس في الحقوق على حسب منازلهم ومراتبهم، وهذا في بعض الأحكام أو أكثرها، وقد سوى الشرَّع بينهم في الحدود وأشباهها مما هو معروف والله أعلم)[5].
وفي القادم إن شاء الله نتناول تفصيل هذا الأمر، كالتالي:
• تصنيف الناس إلى مراتب.
• الميزان الذي تزن به الناس.
• الدمَّار والخراب في عدم إنزال الناس منازلهم.
هذا...
ونسأله تعالى أن يوفقنا على إعطاء الموضوع حقه ومستحقه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على النبي محمد وسلم تسليماً كثيراً.
[1] عن ميمون بن أبي شبيب (رحمه الله) أن عائشة رضي الله عنها مَرَّ بها سائل فأعطته كِسْرَةً، ومَرَّ بها رجلٌ عليه ثيابٌ وهيئةٌ، فأقعدته فأكل، فقيل لها في ذلك ؟ فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أَنزلوا النَّاس منازلهم )).
رواه أبو داود في سننه في الأدب برقم (4842) بسند ضعيف لانقطاعه وتدليس حبيب بن أبي ثابت أحد رواته، لكن قال: ميمون لم يدرك عائشة.
وقد ذكره مسلم (رحمه الله) في أول صحيحه (ج1ص6) تعليقاً، فقال: وذكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنْزِلَ الناسَ منازِلَهم، وذكره الحاكم أبو عبد الله في كتابه (معرفة علوم الحديث) ص (49)، وقال: هو حديث صحيح ولكن الحاكم لم يذكر له سنداً.
انظر: رياض الصالحين ص 148.
وبين الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: ج1 ص 62 قال: (وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب، لم يدركها، وفيما قاله أبو داود توقف ونظر، فإنه كوفي متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة، ومات المغيرة قبل عائشة رضي الله عنها، وعند (مسلم) التعاصر مع إمكان التلاقي كافٍ في ثبوت الإدراك، فلو ورد عن ميمون هذا أنه قال: لم ألق عائشة أو نحو هذا لاستقام لأبي داود الجزم بعدم إدراكه، وهيهات ذلك، والله أعلم).
[2] سورة التين: 4.
[3] سورة الروم: 9.
[4] روائع إسلامية: 2 /59.
[5] ينظر: شرح النووي على مسلم ج1 ص 170.