عنوان الفتوى : اليمين بين كونها على نية الحالف وعلى نية المحلوف له
ذكر ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان أنه حضر سفيان الثوري إلى مجلس الخليفة المهدي فاستحسنه، فأراد الخروج فقال الخليفة لا بد أن تجلس، فحلف الثوري على أنه سيعود، فخرج وترك نعله عند الباب، وبعد قليل عاد فأخذ نعله وانصرف، فسأل عنه الخليفة فقيل له إنه حلف أن يعود فعاد وأخذ نعله. فكيف يكون هذا من المعاريض، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يمينك على ما يصدقك بها صاحبك؟ فهل يعتبر سفيان الثوري قد أخطأ، لأنه حلف أن يرجع وظن الخليفة أنه سيرجع للمجلس عنده؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن اليمين في الأصل مبناها على نية الحالف، قال أهل العلم: اليمين والنذر مبناهما على النية، فللحالف أن ينوي في يمينه غير ما أظهره مما يحتمله لفظه، ولا يعتبر ذلك كذبا، لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى.
وهذا بالفعل ما فعله سفيان ـ رحمه الله ـ فإنه حلف على أنه سيرجع، وفي نيته الرجوع لأخذ نعليه، لا إلى الخليفة، فهذا من المعاريض والتورية التي فيها مندوحة عن الكذب، قال البخاري في صحيحه: باب المعاريض مندوحة عن الكذب ـ ثم ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك.
وفي سنن البيهقي: المعاريض أن يريد الرجل أن يتكلم بالكلام الذي إن صرح به كان كذبا، فيعارضه بكلام آخر يوافق ذلك الكلام في اللفظ ويخالفه في المعنى، فيتوهم السامع أنه أراد ذلك، وقوله مندوحة يعني سعة وفسحة، وهذا إنما يجوز فيما يردّ به ضررا، ولا يرجع بالضرر على غيره، وأما فيما يضر غيره فلا. اهـ
وأما اليمين التي يترتب عليها حق للغير: فإنها تكون على نية المحلوف له، فمن استحلف لرد دعوى وجهت إليه، أو لإثبات حق يدعيه على غيره، فإن نيته في حلفه تكون لصاحب الحق الذي استحلفه، لقوله صلى الله عليه وسلم: يمينك على ما يصدقك به صاحبك.
وفي رواية: اليمين على نية المستحلف. أخرجهما مسلم.
والخليفة ليس له حق على سفيان حتى تكون نية الحلف له، وبهذا يتبين لك فقه سفيان وأنه ليس بمخطئ.
والله أعلم.