عنوان الفتوى : ما الفرق بين حكم الاغتصاب وحكم الزنا ؟ وهل يثبت الاغتصاب بالوسائل الحديثة ؟
ما أحكام الاغتصاب ؟ وما هي عقوبة المغتصب ؟ المشكلة هو أن المذنبة دائما تكون المرأة ، إن الاتهام من غير المسلمين هو أن كلمة الرجل هي العليا ولا طريق للمرأة لتثبت أنها اغتصبت ، ومن هنا ينطلق الرجل حرّاً بفعلته ! وكيف نثبت الجريمة على الرجل والمرأة إذا ما كانت اغتصبت أو زنت بإرادتها ؟ هل للتكنولوجيا أن تتدخل في مثل هذا الأمر ؟ وكيف يمكن إثبات الجريمة بحيث لا يفر الرجل بفعلته من العقاب ؟ .
الحمد لله.
أولاً:
الاغتصاب في الأصل هو زنا ، فيثبت بما يثبت به الزنا وهو أربعة شهود ، وعقوبته جلد مائة إن كان الرجل بكراً ، والرجم إن كان محصناً .
فإن كان الاغتصاب تم تحت تهديد السلاح ، أو تم خطف المرأة من ذويها بالقوة ، صارت الجريمة حرابة ، (أي : قطع الطريق) ، وتثبت بشاهدين فقط ، والعقاب عليها مذكور في قوله تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/33 .
وينبغي التنبيه إلى أنه يقام عليه هذا الحد بمجرد اختطافه للمرأة بالقوة ، سواء حصل له مقصوده من الزنا أم لا .
لأنه بمجرد اختطافها صار (قاطع طريق) ، فإن زنا بها صارت جريمته أشد . لأنه يكون جمع بين جريمتين : الزنا والحرابة .
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (72338) و (128448) .
ثانياً :
أما اتهام غير المسلمين للمسلمين بأن كلمة الرجل هي العليا ، وأن المرأة لا تستطيع إثبات أنها اغتصبت ، وأن الرجل ينطلق حراً بفعلته ، فهو اتهام عارٍ من الصحة .
ولكن ... من القواعد الشرعية والقانونية التي يجب مراعاتها : أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، ولا يمكن لصاحب أي دعوى ـ رجلاً كان أو امرأة ـ أن تقبل دعواه إلا بما يثبت صحتها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) رواه البخاري ( 4277 ) ومسلم ( 1711 ) .
قال النووي رحمه الله :
وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع ؛ ففيه : أنه لا يُقبل قولُ الإنسان فيما يدَّعيه بمجرد دعواه ، بل يحتاج إلى بيِّنة أو تصديق المدَّعَى عليه ، فإن طَلب يمينَ المدَّعَى عليه : فله ذلك ، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه : لأنه لو أُعطيَ بمجردها : لادَّعى قوم دماءَ قوم وأموالهم ، واستبيح ، ولا يمكن المدَّعى عليه أن يصون مالَه ودمه ، وأما المدَّعي : فيمكنه صيانتهما بالبيِّنة .
" شرح مسلم " ( 12 / 3 ) .
ولو كان المجال مفتوحاً لكل امرأة أن تدَّعي على شخص
بأنه اغتصبها لأوشكت السجون أن تمتلأ بكثير من خصوم أولئك النسوة ، ولم يستطيعوا أن
يثبتوا براءتهم ، فليست المسألة فوضى ليؤخذ قول المرأة على أنه حق ويقين ، وإلا
لادعته المرأة على عشيقها السابق ، انتقاماً منه ! أو على الأغنياء والمشاهير
لابتزازهم ! أو على والدها وأخيها لتخرج من ولايتهم وسلطتهم ، وفي هذا دمار
للمجتمعات .
ثالثاً :
لا يُقبل قول المرأة أنها أكرهت على الزنا إلا بدليل أو قرينة قوية ؛ أما من غير
دليل على ذلك ، فإنه يقام عليها الحد كالزاني .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
ولا عقوبة عليها إذا صحَّ أنه استكرهها وغلبها على نفسها ، وذلك يُعلم بصراخها ،
واستغاثتها، وصياحها .
" الاستذكار " ( 7 / 146 )
رابعاً :
وجود السائل المنوي للرجل في المرأة لا يدل على وقوع جريمة الاغتصاب ! إذ قد يكون
حصل ذلك بإرادتها فتكون مستحقة للعقوبة مثله ، ويحتمل أنها ادعت عليه بأنه اغتصبها
بسبب خلاف بينهما لتوقع عليه العقوبة أو لتبتزه ، فلا يكون هذا دليلاً على وقوع
جريمة الاغتصاب ، بل لا يكون هذا دليلاً على وقوع جريمة الزنا ! إذ من الممكن أن لا
يكون قد حصل جماع حقيقي ويكون المني قد دخل في فرجها أو أدخلته هي ، والاحتمالات
القائمة كثيرة ، والحدود لا تَثبت في الشرع بالاحتمالات بل بالبينات ، ونتائج ال "
D N A " قد يقع فيها الخطأ والتبديل والتزوير فلا تنهض لتكون بيِّنة شرعية تقام بها
الحدود الشرعيَّة .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 103410
) نص قرار " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " - التابع لرابطة العالم الإسلامي - بشأن
البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها ، ومما جاء فيه :
"أولاً : لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي ،
واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص ؛ لخبر : (
ادْرَؤوا الحُدُودَ بالشُّبُهاتِ ) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع ، ويؤدي إلى
نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة" انتهى .
ففي هذا القرار : أن العقاب الشرعي (الحد) قد لا يمكن تطبيقه على المتهم المجرم إذا
لم تتوفر البينة التي حددها الشرع لثبوت الجريمة ، ولكن قد تكون هناك قرائن قوية
على ثبوت الجريمة على المتهم .
فهنا .... للقاضي أن يعاقب المتهم بالعقوبة التعزيرية التي يراها .
وبالتالي .. لا ينجو المتهم من العقاب .
ولئن نجا هذا المجرم من عقاب الدنيا فليس ذلك قصوراً في الشرع ، بل قد يكون بسبب
عدم وجود الأدلة الكافية ، أو تقصير القاضي أو قصوره .... إلخ .
ومع ذلك .. فهناك عقاب الآخرة الذي ينتظره إن لم يتب جريمته ، أو لم يعف الله عنه .
والله أعلم