عنوان الفتوى : حكم من أدت جميع مناسك العمرة وهي حائض
ماحكم من أدت جميع مناسك العمرة وهي حائض ؟
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: الأخت الفاضلة لقد أخطأت عدة أخطاء:-
1- أنك تركت الحياء يبلغ منك مبلغه حتى استحييت أن تترخصي بأحكام الحائض من ترك للصلاة والصيام والطواف…… أمام إخوتك ، وكأن هذه الأمور من الكبائر ، وهذا من الحياء المذموم، ورحم الله نساء الأنصار ، ما كان يمنعهن الحياء من أن يتعلمن أحكام الدين، وقد كانت المرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحيض والغسل والاحتلام….. فما كانت ترى الحياء مانعا لها من ذلك.
ثم أي حياء في أن يتعلم إخوتك أن المرأة تمرض عدة أيام كل شهر بأمر فرضه الله عليها ، ألن يعلموا ذلك حينما يدرسون مادة الأحياء ؟ ألن يعلموا ذلك حينما يتكلمون مع أصحابهم وأصدقائهم؟ ألن يعلموا حينما يتزوجون؟ إن إخفاء ذلك باسم الحياء أو حتى تأخير الإعلام به عرف فاسد، وقد جنيت من آثاره ما جنيت، فهذا خطؤك الأول.
2- كان تقديسك لهذه القيمة ( قيمة الحياء المذموم والعرف الفاسد) أعظم في قلبك من تعظيم شعائر الله ومقدساته ، فدخلت المسجد وطفت وسعيت وصليت… صنعت بعض ذلك تمثيلا وإيهاما، وصنعت بعضه حقيقة، واعتذرت بأن الله عز وجل مطلع على قلبك، ولكنك نسيت أن الله كذلك حرم الطواف والصلاة على الحائض ( وفي دخول المسجد خلاف) والله عز وجل يحب أن تعظم شعائره، ويحب أن تكون خشيته أشد من خشية من سواه، يقول الله تعالى : ” …وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (التوبة : 62 ) ويقول تعالى : ” لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)
3- والآن قد طفت ثلاث مرات منفصلات، أما المرتان الأوليان فاكتشفت أنك كنت فيهما حائضا، وأما المرة الثالثة فتقولين : “اكتشفت أنك كنت فيها طاهرة”.
فأما المرتان الأوليان فجمهور الفقهاء يشترطون الطهارة من الحيض لصحة الطواف، فمن طافت وهي حائض فلا طواف لها، وقد ذهب الحنفية إلى صحة طواف الحائض، ولكن بتبعتين: الأولى : الإثم ، فمن طافت وهي حائض فهي آثمة.
الثانية: غرامة مالية، أن تذبحي بدنة ( بقرة ) .
وإذا أخذنا بالمذهب الحنفي هنا فيلزمك التوبة من هذا الإثم ( التبعة الأولى ) ويلزمك أن توكلي أحدا هناك ليذبح عنك بدنة تكفيرا عن طوافك وأنت حائض…. هذا إذا كنت قد سعيت عقب أحد الطوافين وأنت حائض.
والذي منعنا من الاعتداد بالطواف الثالث الذي اكتشفت فيه أنك أصبحت طاهرة هو أنك لم تسعي بعده، والسعي قبل الطواف لا يعتد به على الراجح من أقوال أهل العلم، فعلى هذا لو لم تكوني سعيت بعد أي من الأطوفة التي طفتها فإن هذا معناه أن عمرتك باطلة ، وأن عليك إعاداتها ، وعليك أن تظلي محرمة يحرم عليك ما يحرم على المحرمة منذ كنت في مكة وحتى تستأنفي عمرتك من جديد، أي أن تعيشي في بلدك محرمة، تجتنبي ما تجتنبه المحرمة.
وإذا لم نأخذ برأي الحنفية ، وأخذنا برأي الجمهور- ومذهبهم هو الصحيح الذي تؤيده الأدلة- فإن مقتضى هذا أن نصل إلى نفس النتيجة التي قررناها الآن، وهي أن عمرتك باطلة ، وأن عليك إعادتها ، وعليك أن تظلي محرمة يحرم عليك ما يحرم على المحرمة منذ كنت في مكة وحتى تستأنفي عمرتك من جديد، أي أن تعيشي في بلدك محرمة، تجتنبي ما تجتنبه المحرمة.
ومن المحتمل أن تكوني وقعت في شيء من محظورات الإحرام من وقت رجوعك لبلدك وحتى الآن، فما فعلته من محظورات الإحرام وأنت جاهلة بحرمته فلا كفارة فيه على الصحيح من أقوال أهل العلم، وما فعلته من هذه المحظورات وأنت عالمة بأنك باقية على إحرامك، وأن هذه محظورات لا يجوز فعلها ففيه الكفارة.
وقد ذهب الحنفية إلى أن سبق السعي بطواف واجب وليس شرطا ، ومقتضى هذا أن تكون عمرتك صحيحة إذا كنت أوقعت السعي قبل الطواف، ولكن عليك هدي لمخالفتك الواجب.
والله أعلم.