نظرية المؤامرة بين الرفض والقبول
مدة
قراءة المادة :
32 دقائق
.
يخطئ المجتمع العربي والإسلامي في كثير من الأحيان عندما يُسَوِّغ إخفاقاته وأخطاءه بالتهويل من "نظرية المؤامرة" [1] التي باتت لدى كثير من المجتمعات كابوساً مخيفاً، أو شماعة يلقون عليها كافَّة الأعذار التي يرون أنَّها وحدها تحول بينهم وبين ما يتطلَّعون إليه من اللحاق بركب التنمية والتجديد والتنوير بمفاهيمها الإسلاميَّة لا الليبراليَّة، فيلجؤون لاتهام الغرب أو غير المسلمين بأنَّهم السبب الحقيقي لعدم تقدمهم.
قد يأتي هذا التبرير أحيانا من طبيعة النظريات الموجودة لدى كثير من الناس متدينين وغير متدينين، فبعضهم يعتقد أنَّ كل شر أتى لهذه الأمة فهو بسبب الكفار والغربيين تحديداً، وكل خطأ يقع في بلادنا من نواح سياسيَّة أو اقتصادية فهو بسبب عدونا، ويتناسون أنَّ هنالك الكثير من الأخطاء التي صنعناها بأيدينا ولكنَّنا عنها غافلون.
تأصيل شرعي حول "نظريَّة المؤامرة":
في البدء أود أن أنبِّه إلى أنَّ المبالغة الكبيرة في توسيع "نظرية المؤامرة" وأنَّه ما من شر أتى على الأمَّة المسلمة إلاَّ بسبب مؤامرة من أعدائها عليها، فإنَّ في هذا تسطيحاً للأمور، ورؤية أحادية لها وهو مخالف للتفكير الموضوعي والعلمي.
لكنَّه لا يمكن أن هنالك ننفي بالفعل مؤامرة حقيقيَّة من أعداء الإسلام من غير المسلمين على المسلمين سواء أكانوا شرقيين أو غربيين، وسواء أكانوا كفَّاراً أصليين مرتدين أو منافقين وهم خطر حقيقي لا يقل ضراوة عن خطر غير المسلمين؛ فإنَّهم لن يخلوا من أن تكون لديهم خطط أو مؤامرة أو طرق علنيَّة أو خفيَّة ضدَّ الملَّة والأمَّة الإسلاميَّة، بل إنَّ ذلك أمر لازم وحتمي، وهو ما يؤكده الدين الإسلامي بأنَّ هنالك صراعاً بين الحق والباطل، ويستحيل أن يكون الباطل يمشي بطرق عشوائيَّة في محاربته للدين الإسلامي والمجتمع المسلم دونما خطَّة أو أحابيل ومكائد، أو مؤامرة خفيَّة أو علنيَّة، فلنسمها ما شئنا.
المهم أن نعترف بذلك؛ لأنَّني رأيت بعض المفكرين أو المحللين الذين ينفون المؤامرة من أصلها، يعترفون من جهة أخرى بأنَّ هنالك خططاً ومراكز أبحاث تمد الغرب السياسي، أو أعداء المسلمين أجمعين بما ينوون تحقيقه في البلاد الإسلاميَّة.
إنَّ اصطحاب العقيدة الإسلاميَّة الصحيحة وما يؤسس لها من كتاب ربنا وسنّة نبينا، هي خير مخرج لتحليل كثير من الظواهر الاجتماعية والسياسيَّة والاقتصاديَّة، والجمع بين التحليل الشرعي والسياسي لا تنافي بينهما، ويستحيل أن تخالف حقائق الواقع مفهوم ومنطوق القرآن وما ثبت من صحيح السنَّة النبوية المطهَّرة.
وشواهد القرآن تبيِّن هذا أشدَّ بيان فالقرآن يبيَّن أعداء المؤمنين كانوا يتربصون بالفتية الذين آمنوا وفروا من طغيانهم، بل كان في معتقد الفتية أنَّ أولئك الكفَّار لديهم مؤامرة عليهم من خطَّتين، حيث قال هؤلاء الفتية عن أولك الطغاة الذين كانوا يحكمونهم { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 20].
والقرآن يؤكد تلك المؤامرة التي حاكها ونسج أحابيلها أعداء نبي الله موسى عليه السلام ضدَّه الذين كادوا أن يقتلوا موسى عليه السلام، وأثبت القرآن ذلك بلفظ المؤامرة: { إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20].
وحديث القرآن عن الذين كفروا وأنَّهم كانوا يريدون النيل من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال: 30]، وفي هذه الآية برهان على أنَّ أعداء الإسلام في تلك الحقبة الزمنية خططوا في ذلك الظرف الزمني لصدَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن دعوته، إمَّا السجن، وإمَّا القتل، وإمَّا النفي، وإن لم تكن هذه مؤامرة منهم فما معنى المؤامرة إذاً؟
يثبت القرآن الكريم كذلك أنَّ أهل الكفر ينفقون أموالهم للصد عن سبيل الله، فيقول تعالى: {وإِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } [الأنفال: 36]، ويبين القرآن الكريم أنَّ الكفَّار يتمنون إرجاع المسلمين عن دينهم إلى مللهم الكافرة فيقول تعالى: { وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة: 120]، ويقول سبحانه: { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يردونكم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ} [البقرة: 109]، وقال جلَّ من قائل: {ودُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} [النساء: 89]، بل يبين القرآن الكريم أنَّ أعداء الإسلام من الكفار ومن والاهم لا يريدون بأمَّة الإسلام خيراً حيث يقول: { مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ} [البقرة: 105]، ويقول تعالى: { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وفي هذا دلالة على فعل الصيرورة وأنَّ كلمة { وَلَا يَزَالُونَ } تدل على الديمومة والاستمرار زمناً بعد زمن، ويعجبني في هذا الصدد الاستشهاد بمقولة الدكتور محمد عمارة: "إنهم في الغرب يحجبون عنا علوم التكنولوجيا المتقدمة، ولكنهم يطلبون تغيير عقيدتنا"! [2].
وإنَّ من أعظم أركان المؤامرات: مكر الكفَّار وكيدهم:
وهو من أكثر ما حدثنا عنه القرآن الكريم، فالله عزَّ وجل يقول: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، ويقول تعالى: {إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا .
وَأَكِيدُ كَيْدًا .
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } [الطارق: 15 - 17]، ويقول تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]، ويقول تعالى واصفاً إياهم أنَّهم لن يتوقفوا عن المكر فقد مكروا سابقاً ومكروا في زمن رسول الله وسيمكرون لاحقاً فيقول تعالى: { وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ } [الرعد: 42]، بل يصف الله عزَّ وجل مكرهم بأنَّه مكر كبَّار دلالة على مبالغتهم في ذلك فيقول: { وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا } [نوح: 22]، ووصف مكرهم أنَّه من شدَّته لتزول منه الجبال فقال عزَّ وجل: { وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ[/color]} [ابراهيم: 46].
ليس غريباً كذلك أن يؤزَّ الشيطان الرجيم شياطين الإنس والجن في محاربة الأنبياء والمرسلين نبياً بعد نبي ورسولاً إثر رسول، ولهذا نجد الحق تبارك وتعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [الأنعام: 112].
وهل تتوقف العداوة عند حد معين أو تتوقف عند الأنبياء والمرسلين دون المؤمنين؟
كلاّ، فإنَّ الطغاة وأعداء الإسلام يتوارثون العداء لأهل الحق جيلاً بعد جيل، ويوصون أتباعهم بطريقة التعامل مع أولياء الرحمن بجميع الأساليب المؤذية لهم كما قال تعالى: { أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53]، وعليه فإنَّ المكر والعداء وتفصيل المؤامرات من أعداء المسلمين سيجري على قدم وساق، وبكل الطرق والأساليب ولو كان مع غير الأنبياء والمرسلين، والقرآن يؤكد هذه الحقيقة فيقول الرب تبارك وتعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 123].
أبعد هذا كلَّه يمكن أن نقول بأنَّ أعداء الإسلام من غير المسلمين بشتَّى أصنافهم وألوانهم لا يعقدون مؤامرات على المسلمين؟ ولا تكون لهم طرق خفية وعلنيَّة في النيل من المسلمين؟ وهم الذين قال الله تعالى عنهم: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
لقد أثبت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكائد الكفَّار، وأنَّهم يتداعون على هذه الأمَّة بشكل متكامل وليس تداعي أمَّة لوحدها، فلقد وصفها تداعي الأمم جمعاء، فيقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: « يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن» فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت » [أخرجه أبو داود (4297) وسكت عنه، وجوَّد إسناده ابن باز في مجموع فتاويه (5 / 106)، وصحَّحه الألباني في الصحيحة بمجموع طرقه (958)].
هل هنالك مؤامرة حقيقيَّة من الغرب على المسلمين؟
قد يقول قائلهم مِمَّن ينكرون نظرية المؤامرة: إنَّ الغرب السياسي كذلك لديهم خطط ومكائد ضدَّ غير الأمَّة الإسلاميَّة ولربما تقع بينهم حروب تأكل الأخضر واليابس، كما جرى منهم ضدَّ كوريا، أو الاتحاد السوفييتي سابقاً، فلماذا يتحسَّس الإسلاميون أو حتى القوميون العرب حينما يرون هنالك خططاً من الغربيين ضدَّهم، ما دام الحال كذلك يقع مع غير المسلمين؟
وفي ظاهر الأمر قد تكون هذه الحجَّة مقنعة لمن كان قاصر التفكير، أو لمن ينظر نظرة عوراء غير شمولية أو صحيحة، ولكنَّه في واقع الأمر يجب أن نُذكِّر هؤلاء بأنَّ مكائد الكفار ضدَّ الديانة الإسلاميَّة مبسوط شرحها وفي مواضع لربما تنيف عن أكثر من مائة آية، ولا يعني أنَّ كل الكفَّار كذلك، ولكنَّ الحديث دائر على الجو العام والمحيط السياسي الكفري ضدَّ المسلمين منذ قديم الزمان وإلى الآن، فلا يفتأون عن معاداة الإسلام وأمَّته ووطنه.
والجواب أن يقال: صحيح أنَّه حصل بين أعداء الإسلام من غير المسلمين الكثير من الخلافات والمعارك، فقد حصل بين أمريكا والاتحاد السوفيتي حرب باردة، أو حصل خلاف كبير بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، أو نزاع شديد بين الدول الأوربيَّة كما حصل سابقاً، أو حروب طاحنة دمويَّة ومجازر شديدة النزيف كما حصل في الحربين الأولى والثانية بين غير المسلمين أنفسهم، فقد يكون بينهم عداء ومؤتمرات للمؤامرات، ولكنَّ هذا لا ينفي أن تكون لديهم عداءات خاصَّة كذلك مع المسلمين ملَّة وأمَّة، بل لا ينفي أن يتوحدوا بأجمعهم وقضهم وقضيضهم للنيل من الإسلام وثوابته وأهله وأوطانه، وهم يعتبرون أنَّ الدين الإسلامي هو الأخطر وهو المارد أو الخطر الأخضر الذي سيجتاح المنطقة ويهددهم جميعاً!
فليس حرجاً من القول إذاً أن نثبت وجود مؤامرة من غير المسلمين، سواء أكانوا من الغرب السياسي وأنصاره وأزلامه أم من غيرهم من الأمم ضدَّ الدول الإسلامية وبلاد المسلمين، ولا نستطيع إنكار ما يقلع العين، فالأحداث مكشوفة وهنالك تقارير استراتيجية وميدانية وسياسية كلها تتحدث في طريقة التعامل مع الدول الإسلامية ولعلَّ من أبرزها "تقارير راند" وغيرها، وهنالك كثير من المنظمات السرية والعلنية التي تحيك للدول الإسلامية السوء، وتنسج للتطويح بهذه الدول الإسلامية أو احتلالها، ولعلَّ خير ما يشهد لذلك حالة التدخلات الغربية والصهيونية في الدولة العثمانية واستغلال ضعفها وانهيار اقتصادها للتدخل في شؤونها، ولا ننسى كذلك مؤتمر بال للصهيونية بسويسرا عام 1897م، وما خرج به من مقرَّرات، وكذلك المنظمات الخفية كالماسونية التي تعيث في الأرض فساداً بما لا يمكن إنكاره.
ومن الذي يُنكر أنَّ دولة الكيان الصهيوني المغتصب التي تسمَّى بـ "إسرائيل" لا زالت رافعة فوق ظهر الكنيست علمها الذي يعطيها دلالة يوميَّة لكل من دخل الكنيست أنَّ "أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل، ومن الأرز إلى أرض النخيل".
ومن الذي ينسى أنَّ أطماع يهود تتجاوز فلسطين المحتلة للوصول إلى المدنية النبويَّة وخيبر، وكم يحاولون ويرغبون أن يدخلوا إلى تلك المناطق، ولقد وقفت رئيسة وزرائهم جولدا مائير قبل أربعين سنة على خليج العقبة في إيلات وقالت وهي تستنشق الهواء: "إني أشم رائحة أجدادي في خيبر"!
وحين سقطت القدس القديمة بأيديهم، وبعد أدائهم صلاة الشكر اليهودية عند حائط البُراق قال قائدهم موشي ديان: "اليوم فُتح الطريق إلى بابل ويثرب، هذا يوم بيوم خيبر، وتعالت هتافات النصر التي رددها اليهود المنتصرون: يا لثارات خيبر"!
وفي عام 1915م وأثناء الحرب العالمية الأولى دخلت بريطانيا في مفاوضات مع العرب لتشجيعهم على التمرد على الإمبراطورية العثمانية مقابل إقامة دولة عربية موحدة في المناطق العربية من الدول العثمانية، وقد سميت هذه المباحثات بمحادثات "حسين مكماهون"، ولكن في الوقت نفسه التي كانت تجري فيه هذه المحادثات كانت بريطانيا تجري محادثات سرية موازية مع فرنسا من جهة والحركة الصهيونية من جهة أخرى، وهي مفاوضات تمثل قمة التآمر، فمع فرنسا وقعت اتفاقية سايكس بيكو 1916م لتقسيم المنطقة العربية إلى مناطق نفوذ بين الدولتين، ومع الحركة الصهيونية توجت المفاوضات بإعلان بلفور الذي أعطى اليهود وطناً في فلسطين، أما العرب الذين تحالفوا مع بريطانيا وفرسا فقد تحولوا إلى شعوب مُستَعمرَة.
ومن ينسى احتلال الكفار الصربيين والكروات للبوسنة والهرسك وما فعلوه بالمسلمين وما ساموهم به من سوء العذاب بمجازر بشعة لا ينساها من عايش أحداثها، واحتلال الصليبيين كذلك لكوسوفا، وتدمير الشيوعيين للبلقان في الشيشان والقوقاز وغيره، واحتلال أفغانستان على يد الروس والأمريكان، واحتلال الأمريكان والإثيوبيين للصومال، وحالة التدخل الغربي وإيقاع الحروب بين العراق وإيران، ودورهم كذلك في تعزيز المشاكل بين الدول الإسلاميَّة.
ومن يرى احتلالهم للعراق وتسليمها لمليشيات لا ترقب في مؤمن إلاَّ ولا ذمَّة، وما الحال ببعيدة في أوزبكستان وطاجكيستان وغيرها من بلاد الإسلام، ومؤامرات التقسيم التي حصلت كما حصل في كشمير وفصلها عن الباكستان، وسنغافورة وفصلها عن ماليزيا وجنوب السودان وفصله عن شماله حينما كان دولة كاملة لعقود متطاولة من الزمن.
وهذا أبلغ رد على ما يقوله ضيقو الأفق، بأنَّ الأعداء من غير المسلمين قد يتعادون وتحصل بينهم معارك، كما تحصل مع المسلمين، فإنَّ الواقع يُفيد أنَّه ما اكتوت أمَّة ودولة من نيران الحروب الدامية والمعارك الضروس كما اكتوت أمَّة الإسلام؛ لأنَّ لهذه الأمَّة المسلمة دين وأمَّا أولئك فليس لهم دين ولو كان لهم دين فدينهم محرَّف، كما قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } [البقرة: 109].
وأزيد الشعر بيتاً فأقول: حتَّى لو حصل بين أعداء المسلمين اختلافات، فإنَّهم لربما يؤجِّلونها لمصلحتهم العامة، بل ويتعاونون فيما بينهم للقضاء على هذه الأمَّة، ولست أزعم ذلك بدون بينة أو حجَّة، فإنَّ الباحث لو أراد أن يجمع مئات المقولات وعشرات الحوادث التي تؤكد ما قلته لاستطاع وبدون صعوبة.
وكلنا يعرف ويتذكر حقيقة العداء المستمكن بين اليهود والنصارى والكثير من الحروب الدامية، والاختلافات الكثيرة، بيد أنَّهم اتفقوا فيما بينهم بل صاروا حلفاء بغض النظر عن التسميات، وتآزروا فيما بينهم كما هو حاصل الآن بين أمريكا وإسرائيل.
ففي عام 1965م عقد المجمع الفاتيكاني الثاني وهو الذي برؤوا فيه اليهود من قتل المسيح، وفي هذا المجمع خططوا لثلاثة أشياء رئيسة والتنفيذ يتم الآن، وهذه الأشياء الثلاثة هي: اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام وتنصير العالم [3].
وكذلك لا ننسى تحالفات اليهود والهندوس ضدَّ المسلمين، مع اختلاف العقائد وتباينها، وتحالفات اليهود مع الروس والاختلافات المعمَّقة كذلك بينهم، والتحالفات التي جرت بين أمريكا والروس في حربهما للمجاهدين الشيشانيين.
وما أكثر الأقوال التي تدل على ما قلناه في المؤامرات الخطيرة على أمَّة الإسلام، فالباحث البريطاني توماس إدوارد "لورنس العرب" والذي انضم الى مخابرات الجيش البريطاني عند إعلان الحرب العالمية الأولى، يقول في تقريره السري "سياسة مكة" الذي رفعه إلى المخابرات البريطانية عام 1916م: "أهدافنا الرئيسة: تفتيت الوحدة الإسلامية, ودحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها, وإذا عرفنا كيف نعامل العرب وهم الأقل وعياً للاستقرار من الأتراك فسيبقون في دوامة الفوضى السياسية داخل دويلات صغيرة, حاقدة, ومتنافرة, غير قابلة للتماسك" وللأسف فقد نجحوا في ذلك!
ويقول الكاتب الصليبي لورانس: "كنا من قبل نخاف من الخطر اليهودي والخطر البلشفي، اليهود والشيوعيون والبلاشفة لم يكونوا أعداءنا وإنما هم أصدقاؤنا حلفاؤنا ولكن الخطر الأكبر الحقيقي ضدنا كامن في الإسلام في قدرته على التوسع، فإن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي".
وقال الزعيم الصهيوني بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي: "نحن لا نخشى الاشتراكية, ولا القوميات, ولا الديمقراطيات في المنطقة, نحن فقط نخشى الإسلام, هذا المارد الذي نام طويلا, وبدأ يتململ من جديد".
ولقد قال أحد قادة الماسون: "كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة فأغرقوها" أي أمة محمد أغرقوها في حب المادة والشهوات.
ولهذا نجد الترويج للفساد الأخلاقي شائع عندهم، بل بفتاوى حاخاماتهم، فنجد مثلاً الحاخام "ريتشورون" يقول: "شعبنا محافظ مؤمن ولكن علينا أن نشجع الانحلال في المجتمعات غير اليهودية فيعم الكفر والفساد وتضعف الروابط المتينة التي تعتبر أهم مقومات الشعوب فيسهل علينا السيطرة عليها وتوجيهها كيفما نريد".
من الذي ينسى دوائر ومراكز الأبحاث الغربيَّة، والشخصيات التي تقوم بأنواع وألوان من التخطيط الاستراتيجي ضدَّ الوطن العربي والإسلامي، وما قام به جيمي كارتر من تخصيص قسم خاص من "السي آي إيه" لدراسة تطور الحركات الإسلاميَّة والواجب حيالها؟
ومن الذي ينسى ما كان يقوله بريجنسكي من ضرورة عدم التقاء العرب والبرابرة مع الصينيين ليتكون تحالف بينهم مناهض للولايات المتحدة الأمريكيَّة؟
وهل يمكن أن ينسى ما كان يقوله هينري كيسينجر وغيره أنَّ أمريكا ليس لها حيال الوطن العربي حينما تراه هادئاً إلا تفجير مشكلة جديدة ينشغل بها عن مستقبله وطموحاته؟
وما أكثر مؤامرات الكثيرين من العلمانيين اللادينيين أو الليبراليين من أذناب الاحتلال، والذين يصح وصفهم بأنَّهم أهل نفاق، فكم يعقدون المؤامرات تلو المؤامرات على المسلمين عموماً والإسلاميين خصوصاً ولعل خير ما يمكن أن نشهد به فضائح الكثير من الوثائق السرية التي عثر عليها شباب الثورة المصرية المباركة ضدَّ الإسلاميين، وترويع الكثيرين منهم، وكتابة الخطط للإيقاع بينهم والتحريش بين الجماعات الإسلاميَّة، والتضييق عليهم، وسجنهم وقتلهم، واضطهادهم، وصدق الله تعالى: { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّـهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4].
مؤامرات ذات أقسام:
- والمؤامرة أقسام فمنها مؤامرة فكرية يمكن أن نطلق عليها: "الغزو الفكري"، وقد كتبوا دراسات وأبحاثاً بعنوان "عقول وقلوب ودولارات" وذلك لتشويه الحقائق وطمس معالم الدين، ولن يستطيعوا.
- ومؤامرة في التخويف من الإسلام ووصمه بكل قبيح والمعروفة بـ: "إسلام فوبيا الإرهاب الإسلامي".
- ومؤامرة عسكرية والمعروفة بـ: "الاحتلال العسكري المباشر".
- ومؤامرة اقتصادية والمعروفة ب: "الضغوط والتدخلات الغربية في الشؤون الاقتصاديَّة".
- ومؤامرة سياسيَّة والمعروفة ب: "حق الفيتو" و "وجود حكَّام وكلاء عملاء في أغلب العالم العربي والإسلامي ينفذون أمرهم ويقال لهم ساسة".
- ومؤامرة في تفتيت البلاد العربية والإسلاميَّة وتجزئتها أكثر فأكثر، وخلق جو من الفوضى والقلاقل فيها بأسماء مختلفة مثل: "الشرق الأوسط الجديد"، "الفوضى الخلاَّقة"، "حديث التقسيم في البلاد الإسلامية".
- ومؤامرة في صنع تحالفات اقتصاديَّة وسياسيَّة وأمميَّة، وحرمان الدول العربيَّة من ذلك كما جرى من التحالف الذي كاد أن يقوده أربكان رحمه الله مع ثمان دول صناعيَّة كبرى، وذلك يدخل في ضمن مؤامرة "التلاعب بموازين القوى".
إلى منكري المؤامرة:
لمن ينفي "المؤامرة" على الإطلاق فإنَّه يقال لهم: إما أن تنكروا نظرية المؤامرة، وإما أن تقروا بها؛ فإن كانت الثانية فالتحذير منها واجب، وإن كانت الأولى فلنحتكم للواقع المزري في الهجمة الشرسة ضدَّ الإسلام وأهله.
صحيح أنَّه من القصور الفكري، والانحراف المنهجي القول بأنَّ الخلل كلَّه في أعداء المسلمين من الكفرة والمنافقين؛ بل في المجتمعات الإسلامية ما فيها من التقصير والخلل الكبير؛ ومن ذلك ضعف العقيدة، وقصور الهمَّة، ودونيَّة الإرادة لتغيير ما في النفوس، والواقع المزري من مظاهر الضعف، وضعف التدين، وانفكاك الوحدة..
إلى غير ذلك من التقصير الكبير.
وعلى كل حال فإنَّه لا يمكن إنكار وجود المؤامرة التي تحبكها دول الكفر على بلاد المسلمين، وفي المقابل فإنَّ لدى المسلمين ضعفاً وهزيمة نفسية وفكرية وعقائديَّة فلديهم كذلك أسباب خاصة في تردي اقتصادهم وتأخر دولهم واللحاق بحالة الذيلية والتبعية للغرب، وفي الغالب فإنَّ أسباب سقوط الدول تكمن في سببين خارجي وداخلي، وعليه فهنالك مؤامرة من الخارج ولكنها مؤطرة ومعروفة وهنالك أسباب من الداخل ومع إيماني بمؤامرة أعداء المسلمين على المسلمين، فإني أعتقد أنَّ أسباب سقوط الدول، والضعف في داخل البلاد الإسلامية أكبر وأدق في سبب تأخر البلاد الإسلامية وتخلفها من وجود المؤامرة؛ لأنَّ هنالك نفسيَّة لديها قابليَّة للاستعمار والرضوخ لأوامر الكفَّار.
أود التنبيه كذلك إلى الرد على من يزعمون بأنَّ من أثبت وجود مؤامرة حقيقيَّة على بلاد الإسلام فإنَّه ينظر لواقعه بطريقة من ينتظر الزعيم التاريخي المخلص، أو المهدي المنتظر، ويبقى مسكوناً ببقعة الخوف والهلع، أو أنَّ من يثبت ذلك فكأنه يصب في مصب أهل الفشل واليأس والقنوط، فهذه العبارات يتحدث بعضها من لم يفهم طرائق التفكير لدى أغلب من يثبت المؤامرة، وبالعكس فلربما أن مناصري وجود المؤامرة تعطيهم دفعة للأمام وانعكاسة على نفسياتهم لمناهضة لمثل هذه المؤامرات ومقاومتها ومجاهدتها بشتى الطرق والأساليب الموائمة لكل مؤامرة.
وللمبالغين في "نظريَّة المؤامرة" ودفع الخطأ عن الذات: "من التخويف إلى المواجهة":
الشعوب العربية فيها خير كبير، ولن يضمحل أو يتضاءل الخير فيها بل إني على قناعة أنَّها ستكون فعَّالة في خدمة مجتمعها ودينها وأمتها، وإن كنَّا قد أثبتنا وجود مؤامرة حقيقيَّة من أعداء الإسلام على المسلمين، ففي المقابل عند المسلمين الكثير من مظاهر التردي والضعف والتخلف والانقسام، ما يندى له الجبين، ومن الخطأ حينما نكتشف عيباً فينا أن نلقي اللوم على أعداء الإسلام فحسب وننسى أنفسنا الضعيفة أحياناً والأمَّارة بالسوء تارات، ونعتقد أنَّنا برآء وأنَّ المشكلة في غيرنا، ولا يمكن لنا أن نصف مثل هذه الاعتقادات إلاَّ بأنَّها تقفوا طريقة الكسالى حينما يُعاتبون عن تقصيرهم في فعل شيء فيقومون بإلقاء عيبوهم على غيرهم، ويسمَّى ذلك في علم النفس الحديث ب "أسلوب الإسقاط" بإسقاط الأخطاء على الآخرين وتحميلهم مسؤولية ما اقترفت أيدينا من أخطاء وخطايا أخفقنا من خلالها في صناعة النهضة والتقدم لأمَّتنا المسلمة.
ولعلَّ من أنجع الأسباب للتخلص من مشكلة إلقاء العبء على أعداء المسلمين فحسب ما يلي ذكره:
1) التوسط في الأخذ ما بين المؤامرة من الأعداء وبين خطايانا التي نقترفها بأيدينا، فمؤامرة العدو علينا واردة جدا، وفي المقابل نسأل أنفسنا لماذا حصلت هذه المؤامرة ونجحت؟
2) إنَّ علينا العودة إلى منهج القرآن الكريم، وكيفية معالجته للمشاكل التي نقع بها، فالصحابة حينما سألوا رسول الله عن سبب هزيمتهم في أحد بيَّن الله تعالى لهم ذلك فقال: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، وقال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30]، وقال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
3) النظر في دقَّة ما يُنشر من تصريحات وتقارير وأخبار وكتب، فليس كل ما يقال عنه وثيقة سريَّة أو علنيَّة تكون صحيحة، فلربما يكون هنالك غرض من نشرها، للإرهاب أو التخويف، أو تصفية حسابات، من باب "فاستخف قومه فأطاعوه".
4) معرفة أنَّ ما تقوم به الدول الغربية وغيرها من الدول غير الإسلامية، لربما يكون في طور قناعات معينة، وليس كل ما يصدر عنهم من قوانين قد يقصدون بها المسلمين، فلربما يكون مقصدهم المسلمين وغيرهم، وأنبه إلى أن هنالك بالفعل قوانين وآراء ومراسيم يُقصد بها المسلمون ولكن من المهم التفريق بينها وبين تشريعات ودساتير يدخل بها الجميع مسلمون وغيرهم.
5) لربما بسبب بعض الأخطاء من المسلمين ومحاولة استفزاز الغربيين في بعض الجوانب ندفعهم في حقيقة الأمر إلى أن يوجهوا سهامهم ونصالهم إلينا، ولا يكون لهم في ذلك سابق تفكير أو تسويغ ما يفعلونه، فيرتبط في حس المسلم واللاشعور لديه أنَّ هذا الذي حصل كان بسبب الغربيين ولربما لا يكون حقيقة بسببهم بل بسبب أخطاء المسلمين وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [المائدة: 8].
6) عدم الوقوع في معضلات تأريخيَّة أو حماقات سياسيَّة يستفيد منها الغرب، فالغرب السياسي في نظري غرب ذكي وخبيث في آن واحد، فهو قد يصنع الحدث بطريقة خارقة للعادة أو غير متوقعة، أو أنَّه يستغل الأحداث ويحرف مساراتها إلى حيث ما يريد، وطالما قال الحكماء: "عدو عاقل خير من صديق جاهل"، وهذا صحيح؛ فلربما يقع من الصديق الجاهل خطأ يستغله العدو العاقل ولو كان فعله واستغلاله مضراً بأمَّة الإسلام.
7) دراسة فكر الاستغراب، والسعي للتعمق في دراسة فكر الغربيين، وتقديم رؤى موثَّقة عن طريقة تفكيرهم، وأساليب بحثهم، وكيف يخططون؟ وما السبيل لمواجهة ما لديهم من مكائد وخطط؟
8) الاعتصام بحبل الله جميعاً والتوحد بين المسلمين وعدم القبول بالتجزئة أو الفرقة والتنازع والتخالف ما يؤدي للتشاجر والتدابر، فالله تعالى يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، ويقول تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، والمقصد أنَّ الاتحاد قوَّة والاجتماع على كلمة سواء عزَّة وكرامة، وما تكرهه بعض الأطياف في اجتماع خير مِمَّا يحبه بعضهم في افتراق، فإنَّما الذئب يأكل من الغنم القاصية، وإنَّ من دواعي دخول الأعداء في خصوصيات الأمَّة الإسلاميَّة تفرقها فيما بينها، فمن لا يخطط للنجاح فإنَّما يُخطط للفشل، وإذا لم يكن للأمَّة المسلمة خطَّة حقيقيَّة لمناهضة الاعتداءات على ثوابتها وحدودها ووطنها، فإنَّها ستكون جزءاً من مخطط الآخرين ضدَّها، وللأسف فإنَّ هنالك كثيراً من مصائب وقعت بها الأمَّة بسبب ما يقدمه بعض المنتسبين للأمَّة المسلمة من أسباب وذرائع لعدونا لتنفيذ مؤامراته ومخططاته ضدَّنا.
9) في وقت الضعف والهزيمة النفسيَّة يحاول بعض الناس أن يهولوا ويضخموا من شأن هذه المؤامرات وكأنها دليل على ضعف نفسية بعضهم وعدم قدرتهم على التفاعل معها، وهم بهذه الطرق التفكيرية يعطون الأعداء وسيلة للانقضاض عليهم، ويبقى مشهد بعض المقتنعين بهذه النظرية كمشهد الضحية حينما تأتي عليها الذئاب المسعورة وهي لا تستطيع الخلاص منها، فكأنَّ هذه الأفكار التي نجد فيها مبالغة فعليَّة في التهويل الكبير من شأن المؤامرة؛ تعطي لدى أعدائنا مجالاً لكي يتغلَّبوا علينا، وبدلاً من أن تكون المؤامرة جانب تحفيزي يولد التحدي، تنقلب لأن تكون جانب تثبيطي ينتظر الرجل المخلص.
-------------------
* باحث وداعية فلسطيني، رئيس تحرير المركز العربي للدراسات والأبحاث.
* للتواصل مع الكاتب:
[email protected]
1- نظرية المؤامرة بحسب ويكيبديا تعني: محاولة لشرح السبب النهائي لحدث أو سلسلة من الأحداث السياسية والاجتماعية أو أحداث تاريخية على أنها أسرار، وغالباً ما يُحال الأمر إلى عصبة متآمرة بشكل منظم هي التي تقف وراء الأحداث، وكثير من منظمي نظريات المؤامرة يدعون أن الأحداث الكبرى في التاريخ قد هيمن عليها المتآمرون وأداروا الأحداث السياسية من وراء الكواليس.
وقد ورد هذا المصطلح لأول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920م ولكن جرى تداوله في العام 1960م، وتمت بعد ذلك إضافته إلى قاموس أكسفورد عام 1997م.
2- جريدة "الأهرام"، القاهرة، 5/3/2004م.
3- عن مقال للدكتورة زينب بنت عبد العزيز بعنوان "التنصير عالم خطير لا نرى منه إلاَّ القليل" والمنشور في موقعها:
http://www.dr-z-abdelaziz.com/index.php?option=com_content&view=article&id=111:2009-02-04-09-36-45&catid=37:2008-10-18-13-35-39&Itemid=88