عنوان الفتوى : عذاب القبر يصغر إذا قورن بما بعده من أهوال القيامة
أريد أن أعرف كيف يوجد عذاب القبر؟ فهناك آيات كريمة تتحدث عن أننا عندما نبعث سوف نشعر أننا لبثنا ساعة، واستفسار آخر: لماذا لم يتزوج سيدنا زكريا زوجة ثانية وهو يعلم أن امرأته كانت عاقرا وكان يرغب عليه السلام في الإنجاب؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن المعلوم أن الهول إذا عظم، والكرب إذا اشتد يُنسي ما كان قبله من الآلام والشدائد التي تصغره وتسبقه وإلى هذا المعنى يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم: تجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا. رواه مسلم .
قال النووي أي يصير بعضها رقيقا، أي خفيفا لعظم ما بعده، فالثاني يجعل الأول رقيقا. اهـ.
وعذاب القبر وإن كان شديدا إلا إنه يرق ويصغر إذا قورن بما بعده من أهوال القيامة وعذاب النار، وشاهد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم .
ثم إن كل ما يفوت ويمضي يقل ويصغر ويتلاشى كأنه لم يكن شيئا، وشاهد ذلك نظر المرء في ما مضى من عمره، إذا تفكر فيه كأنه لحظات، قال البغوي كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ ـ من العذاب في الآخرة { لَمْ يَلْبَثُوا } في الدنيا { إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ } أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار، لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن. اهـ.
وقال الرازي والمعنى أنهم إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من النهار، أو كأن لم يكن لهول ما عاينوا، أو لأن الشيء إذا مضى صار كأنه لم يكن، وإن كان طويلاً، قال الشاعر:
كأن شيئاً لم يكن إذا مضى كأن شيئاً لم يزل إذا أتى اهـ.
وأما عدم زواج نبي الله زكريا عليه السلام ـ بامرأة أخرى كي ينجب وقد علم أن امرأته عاقر، فالله أعلم بحقيقة ذلك، وعلى أية حال فقد نص القرآن أنه لما دعا الله سبحانه بالذرية كانت فيه هو الآخر علة مانعة من ذلك، وهي الطعن في السن، كما قال تعالى على لسانه وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ {آل عمران: 40}.
وقال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا {مريم: 8}.
قال ابن عاشور في تفسير سورة آل عمران هذا التعجب يستلزم الشكر على هذه المنة فهو كناية عن الشكر، وفيه تعريض بأن يكون الولد من زوجه العاقر دون أن يؤمر بتزوج امرأة أخرى، وهذه كرامة لامرأة زكريا. اهـ.
وقال في تفسير سورة مريم أَنَّى ـ استفهام مستعمل في التعجب، والتعجب مكنى به عن الشكر، فهو اعتراف بأنها عطية عزيزة غير مألوفة، لأنه لا يجوز أن يسأل الله أن يهب له ولدا ثم يتعجب من استجابة الله له ويجوز أن يكون قد ظن الله يهب له ولدا من امرأة أخرى بأن يأذن له بتزوج امرأة غير عاقر. اهـ.
والله أعلم.