عنوان الفتوى : الاستمناء بسبب غياب الزوجين بعضهما عن بعض بسبب السفر
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :- الأخ الفاضل:- ألا تظن أنه قد بلغ من زوجتك ما قد بلغ منك؟ أما وقد وقف على هذا ألا تفكر في تقصير مدة السفر؟ أو في لم الشمل فتستدعي زوجتك إليك فيسكن كل واحد إلى صاحبه ويستعصم به من الفتن والزلل. […]
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
الأخ الفاضل:-
ألا تظن أنه قد بلغ من زوجتك ما قد بلغ منك؟ أما وقد وقف على هذا ألا تفكر في تقصير مدة السفر؟ أو في لم الشمل فتستدعي زوجتك إليك فيسكن كل واحد إلى صاحبه ويستعصم به من الفتن والزلل.
وهل تظن أن الاستمناء حل، وهل تزوجتك زوجتك لتعيش هذه المعاناة؟ وهل تزوجت أنت أيضا لتعيش هذه المعاناة؟ ستحدثني عن ضرورة العيش، وشظف الحياة، وحاجتك إلى المال، فسأحدثك عن التخفف من ثقل الدنيا ما أمكنك، وعن الرضا بالقليل من المال لتسلم لك آخرتك.
يقول الشيخ عطية صقر – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :-
لا شك أن من أهم مقاصد الزواج تنظيم نشاط الغريزة الجنسية ، الذي يكون من آثاره عفة الزوج والزوجة عن الحرام ، والذرية التي تتربى في ظل الأسرة المستقرة، فكما أن له حقا في اتصاله بها كذلك هي لها حق في الاتصال به ، وإن كان الحياء يكفها عن المطالبة به بطريق مباشر في غالب الأحيان ، فهي مثله مخلوق بشرى تتحرك فيه الغريزة ، والزواج هو الفرصة المشروعة لتلبية ندائها ، ومن هنا لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم عمن عزم ألا يتزوج ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص الذي صرفته عبادته عن حق زوجته ، وعن أبى الدرداء الذي ترك زوجته مكتئبة بملابسها المبتذلة ، لانشغاله بصيام النهار وقيام الليل ، وكل ذلك وردت به الأحاديث الصحيحة .
إن كلا من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذى هذا الشعور أمران :
أحدهما يحتاجه الجسد ، والآخر يحتاجه القلب ، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق ، وربما أورث مرضا أو أمراضا ، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين وحصانة من أخلاق ؟ وقد جاء في المأثور أن عمر رضي الله عنه سمع – وهو يتفقد أحوال رعيته ليلا- زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بُعْدَ زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين ، وتضمن شعرها تمسكها بدينها وبوفائها لزوجها ، ولولا ذلك لهان عليها بعده ، وذلك بآخر يؤنسها في غيبة الزوج .
إن بعد الزوج عن زوجته -حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة في كسب يفيدهما معا- يختلف في أثره عليها ، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها ، ولا المتدينة مع غيرها ، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب ، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضا من بعد عنها فيه مصلحتهما معا، فإني أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى في البعد ، فإن الذي ينفقه حين يعود إليها في فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها ، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شيء في هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير .
ولئن كان عمر رضي اللّه عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر( مصنف عبد الرزاق وتفسير للقرطبى “ج 3 ص 108 والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 96 وابن الجوزي في سيرة عمر ص 59 ) فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك ، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع ، فيجب أن تراعى المصلحة في تقدير هذه المدة ، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها .
ومهما يكن من شيء فإن الشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها فلها الحق في رفع أمرها إلى القضاء لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظا على الأعراض ، ومنعا للفساد ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار . انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله-:-
الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف ) وحق العشرة حق واجب على الزوج لزوجته وعلى الزوجة لزوجها ، ومن المعاشرة بالمعروف أن لا يغيب الإنسان عن زوجته مدة طويلة؛ لأن من حقها أن تتمتع بمعاشرة زوجها كما يتمتع هو بمعاشرتها ، ولكن إذا رضيت بغيبته ولو مدة طويلة فإن الحق لها ، ولا يلحق الزوج حرج ، لكن بشرط أن يكون قد تركها في مكان آمن لا يخاف عليها ، فإذا غاب الإنسان لطلب الرزق وزوجته راضية بذلك فلا حرج عليه وإن غاب مدة سنتين أو أكثر ) (وإذا لم تسمح له بذلك فإن عليه أن يرجع إليها كلما مضت نصف سنة، إلا أن يكون معذورًا بمرض أو نحوه.) انتهى .
وقال الشيخ ابن جبرين من علماء السعودية -:-
قد حدد بعض الصحابة غيبة الزوج بأربعة أشهر ، وبعضهم بنصف سنة . ولكن ذلك بعد طلب الزوجة قدوم زوجها فإذا مضى عليها نصف سنة وطلبت قدومه وتمكن ؛ لزمه ذلك ، فإن امتنع فلها الرفع إلى القاضي ليفسخ النكاح . فأما إذا سمحت له زوجته بالبقاء ولو طالت المدة وزادت على السنة أو السنتين فلا بأس بذلك ، فإن الحق لها وقد أسقطته فليس لها طلب الفسخ ما دامت قد رضيت بغيابه، وما دام قد أمن لها رزقها وكسوتها وما تحتاجه .) .انتهى.
وأما ما سألت عنه فلا بأس به لك ولزوجتك عند الضرورة لتسكين الشهوة وليس لاستدعائها كحل مؤقت.
والله أعلم .
حرر هذه الفتوى حامد العطار الباحث الشرعي بالموقع.