عنوان الفتوى : هل تجب إجابة من سأل بالله ؟
أين يمكن أن أجد هذا الحديث : ( شر الناس من سئل بالله ولم يجب )، لأنني سمعته من إمام وذكر أنه حديث صحيح ، لكني لم أستطع العثور عليه في أي مرجع ، فهلا ساعدتني في الوصول لموضعه ؟ وجزاكم الله خيرا .
الحمد لله
الذي تم الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في " الحث على إجابة مَن سَأل بالله وذم
مَن سُئل بالله ولم يجب " أربعة أحاديث :
الحديث الأول :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ )
رواه أبو داود (رقم/1672)، وصححه النووي في " المجموع " (6/254)، والألباني في "
صحيح أبي داود"
الحديث الثاني :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ :
( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ : رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ . أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَتْلُوهُ : رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي
غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِيهَا .
أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ : رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطِي
بِهِ )
رواه الترمذي في " الجامع " (رقم/1652) والإمام أحمد في " المسند " (4/24) وغيرهم
من طريق ( إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب وبكير بن عبد الله بن الأشج ) عن عطاء
بن يسار ، عن ابن عباس به .
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، ويروى هذا الحديث من غير وجه عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي "، وفي "السلسلة الصحيحة" (رقم/255).
وهذا هو أقرب الألفاظ لما ورد في السؤال .
الحديث الثالث :
عن أبي عبيد مولى رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ
اللَّهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ )
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/377)
لكنه حديث ضعيف فيه علتان :
العلة الأولى : الإرسال .
فقد جاء في كتاب " المراسيل " (ص/253) لابن أبي حاتم قال :
" سمعت أبا زرعة يقول : أبو عبيد مولى رفاعة بن رافع الذي روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : (فذكر الحديث) فقال : ليست له صحبة " انتهى.
العلة الثانية : في إسناده عبد الله بن عياش بن عباس : قال فيه أبو حاتم : ليس
بالمتين ، صدوق ، يكتب حديثه ، وهو قريب من ابن لهيعة . وقال أبو داود ، والنسائى :
ضعيف . " تهذيب التهذيب " (5/351)
وفي إسناده أيضا عبد الله بن الأسود القرشي ، لم نقف له على توثيق ، بل قال ابن أبي
حاتم : سألت أبي عنه فقال : شيخ ، لا أعلم روى عنه غير ابن وهب . " ميزان الاعتدال
" (8/132)
يقول ابن مندة رحمه الله :
" لا يثبت من جهة الرواة " انتهى.
" الرد على الجهمية " (ص/53)
الحديث الرابع :
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ملعون من سأل بوجه الله عز وجل ، وملعون مَن سُئل بوجه الله عز وجل ثم منع سائله
ما لم يسأل هجرا )
رواه الروياني في " المسند " (1/327 ، رقم 495) والطبراني في " الدعاء " (ص/581)،
وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (26/58) جميعهم من طريق عبد الله بن عياش بن عباس
القتباني ، عن أبيه ، أن أبا بردة بن أبي موسى حدث يزيد بن المهلب ، أن اباه حدثه ،
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فذكره.
وهذا إسناد ضعيف أيضا بسبب عبد الله بن عياش ، وقد سبق نقل تضعيف أبي حاتم وأبي
داود والنسائي له .
ثانيا :
قواعد الشرع وأدلته الثابتة المجمع عليها تقرر أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب
نفس منه ، وأن كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ، والله عز وجل يقول :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) النساء/29.
لذلك ذهب عامة أهل العلم إلى تقييد الأحاديث السابقة - التي تذم مَن سُئل بالله ولم
يُجِب - بقواعد الشريعة المجمع عليها ، وجمعوا بين النصوص جميعا على ضوء قواعد أصول
الفقه ومقاصد الشريعة على أوجه عدة :
الوجه الأول : أن يقال بكراهة عدم إعطاء من سأل بالله ، وليس بالحرمة ، وتفسير
الأحاديث السابقة بحملها على قصد الذم والتنفير ، وليس التحريم .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" يستحب إجابة من سأل بالله " انتهى.
" المغني " (9/423)
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله :
" يكره للإنسان أن يَسأل بوجه الله غير الجنة ، وأن يمنع مَن يسأل بالله وتشفَّع به
" انتهى من " مغني المحتاج " (3/122)
وجاء في " الفتاوى الهندية " الحنفية (5/318) :
" ولو قال لغيره : بالله أن تفعل كذا : لا يجب على ذلك الغير أن يأتي بذلك الفعل
شرعا , وإن كان الأولى أن يأتي به " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :
" بعض الناس يحرجوننا بكلمة أسألك بالله أن تعطيني كذا ، أو أسألك بالله أن تبيعني
كذا ، أو أسألك بالله أن تخبرني بكذا ، وفي بعض المرات نرفض تلبية طلبهم عندما لا
يكون الطلب في محله ، هل الرفض رغم كلمة أسألك بالله يعرضنا للإثم ، أم أنه ليس
علينا شيءٌ في ذلك، نرجو الإفادة جزاكم الله خيراً ؟
فأجاب :
إذا كان السائل لا حق له بهذا الشيء فلا حرج فيه إن شاء الله ، فإذا قال أسألك
بالله أن تعطيني دارك أو تعطني سيارتك أو تعطني كذا وكذا من المال ، فهذا لا حق له
.
أما إذا كان يسأل حقاً له أسألك بالله أن توصل إلي ، أسألك بالله أن تعطيني من
الزكاة - وهو من أهلها - تعطيه ما تيسر ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال : (
من سأل بالله فأعطوه )، فإذا كان له حق كالفقير يسأل من الزكاة ، أو حقاً عليك له
دين ، يقول : أسألك بالله أن ترد لي ديني ، أسألك بالله أن تنصرني على هذا الظالم ،
وأنت تستطيع أن تنصره على الظالم ، أسألك بالله أن تعينني على كذا وكذا من إزالة
المنكر : فلا بأس بهذا ، هذا أمرٌ مطلوب عليك أن تعينه وأن تستجيب له ، لأنه سأل
حقاً ، والرسول - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من سأل بالله فأعطوه ) ، أما أن يسأل
شيئاً لا حق له فيه ، أو يسأل معصية : فهذا لا حق له " انتهى.
نقلا عن موقع سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله :
http://www.binbaz.org.sa/mat/9686
الوجه الثاني : أن يقال بأن السائل المضطر – الذي وقع
في حال الضرورة – هو الذي تجب إجابته إذا سأل بالله ، أما غيره فتستحب ولا تجب .
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" لم يأخذ بذلك أئمتنا – يعني بالقول بتحريم عدم إعطاء من سأل بالله - فجعلوا كلا
من الأمرين مكروها ، ولم يقولوا بالحرمة ، فضلا عن الكبيرة .
ويمكن حمل الحديث في المنع على ما إذا كان لمضطر ، وتكون حكمة التنصيص عليه أن منعه
مع اضطراره وسؤاله بالله أقبح وأفظع ، وحمله في السؤال على ما إذا ألح وكرر السؤال
بوجه الله حتى أضجر المسئول وأضره ، وحينئذ فاللعن على هذين ، وكون كل منهما كبيرة
ظاهر ، ولا يمتنع من ذلك أصحابنا .
وبهذا اتضح الجمع بين كلام أئمتنا وتلك الأحاديث التي قدمناها " انتهى باختصار.
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1/317-318)
الوجه الثالث : أن يقال : إن الحديث الأول : ( فأعطوه
) الأمر فيه للندب ، والحديث الثاني ( يسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطي بِهِ ) ضبطه
الصحيح هو ( يَسأَلُ بالله ولا يُعطِي به ) فالمذموم هو الذي جمع بين الأمرين :
يسأل بالله الناس ، ولكنه إذا سئل بالله لا يعطي به ، ولا شك أن هذا الفعل مذموم قد
يصل إلى درجة التحريم .
يقول الشيخ السندي رحمه الله :
" ( يسأل بالله ) على بناء الفاعل ، أي : الذي يجمع بين القبيحين : أحدهما السؤال
بالله ، والثاني عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى ، فما يراعي حرمة اسمه تعالى في
الوقتين جميعا ، وأما جعله مبنيا للمفعول فبعيد ، إذ لا صنع للعبد في أن يسأله
السائل بالله ، فلا وجه للجمع بينه وبين ترك الإعطاء في هذا المحل " انتهى.
" حاشية السندي على النسائي " (5/83)
بل يحتمل الحديث أيضا أن يُضبط على الوجه الآتي : ( يَسألُ بالله ولا يُعطَى به )
بمعنى أن المذموم هو الذي يسأل بالله تعالى ، فالسؤال بالله مذموم ، ثم رغم وقوعه
في هذا المذموم لا ينال به شيئا ، فلا يعطيه الناس بسؤاله ، فيعرض نفسه للمذلة ،
ويعرِّض اسم الله تعالى لعدم الإجابة .
وقد ذكر هذا الاحتمال المباركفوري رحمه الله فقال :
" ( يسأل ) على بناء المعلوم ، وقوله : ( لا يعطى ) على بناء المفعول " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (5/240) .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |