عنوان الفتوى : حكم كتابة آيات ووضعها في ماء وشربها للاستشفاء
تأخر زواج ابنتي، وأنا أعلم أنها أقدار الله، أرشدتني صديقة إلى طريقة، وهي كتابة سورة الفاتحة في ورقة، ثم وضعها في ماء، وترديد اسم الله الودود، والشرب منها لمدة، مع غسل وجهها بها. هل يجوز ذلك؟ أفيدوني عاجلا أنا في أمس الحاجة للفتوى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك بالإيمان بقضاء الله وقدره، ففي الحديث: لو أنفقت مثل أحد في سبيل الله ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار. رواه ابن حبان وأبو داود.
واعلمي أن تأخر الزواج لا يلزم أن يكون بسبب سحر أو عين، ولكنه يشرع للمسلم القيام برقية نفسه او بنته بالرقية الشرعية، سواء كان مصاباً أو غير مصاب.
ثم إن الله تعالى شرع لعباده ما يحقق لهم طموحاتهم، فشرع لهم الاستعانة بالصلاة والدعاء، وتعهد بالاستجابة لمن دعاه بيقين وحضور قلب، فقال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ { البقرة:45 } وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ { غافر:60 }
وفي الحديث: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني.
وقد جعل الله دعوة الوالدة لابنتها من الأدعية المستجابة كما يفيده حديث الترمذي: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن.. وعد منها: دعوة الوالد لولده. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 6807 .
وأما العمل بالمذكور في هذا السؤال ففيه مسائل ينبغي التوقف عندها، فمنها أن السنة الثابتة هي الرقية بقراءة الفاتحة، كما عمل أبو سعيد الخدري في حديث البخاري فينبغي الإكثار من قراءتها والدعاء بها، ولا يسوغ الاستغناء عنها بكتابتها لما فيه من العدول عما ثبتت مشروعيته إلى ما لم يثبت. ومن المعلوم أن الدعاء والرقية من العبادة، والأصل في العبادة عدم العدول عما ثبت إلى ما لم يثبت، إلا أن أهل العلم أجاز كثير منهم كتابة القران وغسله وشرب مائه للتداوي به
ومنها أن الدعاء بأسماء الله الحسنى ثابت شرعا كما قال عز وجل : وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا { الأعراف:180}
ولكن تحديد عدد معين لتكرار اسم معين لغرض معين، لا دليل عليه وتكراره من دون الدعاء به لا يجعله دعاء، بل يعتبر من الذكر بالاسم المفرد وهو بدعة.
فقد قال الشيخ عبد الله بن قعود: وكل ذكر يقيد بعدد معين أو مكان معين أو زمان معين أو كيفية معينة لم ترد في الشريعة يكون بدعة . وأما بالنسبة للأسماء الحسنى التعبد بها يكون بدعاء الله بها كما قال عز وجل : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) وليس مجرد قراءتها بترتيب معين عبادة مشروعة. اهـ
وعن الذكر بالاسم المفرد يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: فأما الاسم المفرد مظهراً مثل: الله الله. أو مضمراً مثل: هو هو، فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضاً عن أحد من سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما نهج به قوم من ضُلاَّل المتأخرين انتهى.
ثم إن الوسيلة المثلى لحصول المحبة بين العباد هي الالتزام بشرع لله، فإن المطيع لله يحبه الله ويستجيب دعاءه ويحببه لخلقه، فعلى هذه البنت الالتزام بالطاعات المفروضة والإكثار من النوافل.
وفي الحديث: إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض. رواه البخاري. وفي الحديث القدسي: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه. رواه البخاري..
وأكثروا من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى خصوصاً في الأوقات التي يظن فيها استجابة الدعاء، كالثلث الأخير من الليل، وأثناء السجود، وبين الأذان والإقامة، وعليكم بالاستعانة بالصبر والصلاة ، فذلك عون على تيسير الحاجات كلها، فقد قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ { البقرة: 45}
ويمكنك قراءة أي سورة من القرآن والدعاء بها، لما في الحديث : من قرأ القرآن فليسأل الله به . رواه الترمذي وصححه الألباني .
كما يمكنك الدعاء بعموم الأدعية المتعلقة بخيري الدنيا والآخرة، وقد بينا بعضها في الفتوى رقم : 3570 والفتوى رقم: 32981 .
ومن أهم أسباب تحصيل الزواج حمل النفس على العفة والاستقامة؛ لحديث الصحيحين: ومن يستعفف يعفه الله.
ولا غضاضة على المرأة أن تعرض نفسها أو يعرضها أهلها على من يرتضى دينه وخلقه، كما عرض عمر بنته حفصة على أبي بكر وعثمان .
ثم إن الرقية بالقرآن متفق على مشروعيتها إذا قرئ على المرقي، فقد روى ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: عالجيها بكتاب الله. وصححه الألباني السلسلة الصحيحة.
وأما كتابته وغسله وشرب الماء وغسل بعض الأعضاء به فقد منعه ابن العربي وجمع من أهل العلم، وأباحه الجمهور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وإذا كتب شيء من القرآن أو الذكر في إناء أو لوح ومحي بالماء وغيره، وشرب ذلك فلا بأس به، نص عليه أحمد وغيره. اهـ
وقال ابن القيم في الطب النبوي من زاد المعاد: ورأى جماعة من السلف، أن تكتب الآيات من القرآن، ثم يشربها، وذكر ذلك عن مجاهد، وأبي قلابة. اهـ
وقال النووي في المجموع: ومقتضى مذهبنا أنه لا بأس به، فقد قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما: لو كتب قرآناً على حلوى وطعام فلا بأس بأكله. اهـ
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: قال صالح ( يعني ابن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى ) ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحا فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي: اشرب منه واغسل وجهك ويديك . ونقل عبد الله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصب على نفسه منه. ...اهـ.
وراجعي للمزيد في الموضوع وفي بعض الوسائل المعينة على تيسير الزواج الفتاوى التالية مع إحالاتها: 23645 ,6029 ,32981 ,20688, 56444, 20044 ,32981, 26711, 42801.
والله أعلم.