عنوان الفتوى : هل يجوز لمعدد أن يبيت عند زوجة ليلتين متتاليتين وعند الأخريات يفرقهما ؟
تزوج زوجي زوجة ثالثة ، وهي مستقر في " ينبع " ، ونحن من مدينة " جدة " ، ومقر عمله في " جدة " ، ولقد اشترطتْ عليه أن تبقى في " ينبع " لحاجتها هي ، ووافق على ذلك ، ولكنه لن يعطيها حقها في القسْم كاملاً ، فجعل القسمة خلال الأسبوع : يومان متصلة في " ينبع " ، وخمسة لدينا ، ولم أرضَ بهذه القسمة وأرى أنه ظلمني فيها ؛ لأنه يبقى عند الثالثة يومين متصلة وليس لديه أعمال هناك لأنه غريب عن المدينة ، أما عندما يأتي عندي فقد يخرج من الصباح إلى الظهر ، وقد يكون أكثر من ذلك ، فكيف يعطيني يومين خلال الأسبوع مثلها وتكون غير متصل ، وهي صاحبة الحاجة وليس هو .
الحمد لله
أولاً :
أوجب الله تعالى العدل على الأزواج المعددين ، فإن بات عند واحدة ليلة بات عند
الأخرى أو الأخريات مثلها ، وإن بات ثلاث ليال عند واحدة فيلزمه الأمر نفسه عند
الأخريات .
وإذا اختار الزوج المبيت عند إحدى نسائه ليلتين متواصلتين : لزمه ذلك مع باقي نسائه
، ولا يحل له جمع أيام واحدة منهن وتفريق أيام باقيهن .
والعلماء عندما يذكرون ما يجب على المعدد من العدل في المبيت يذكرون " ليلة ليلة "
، و " ثلاثاً ثلاثاً " و " شهراً شهراً " ، وهذا يبيِّن أن حق الزوجة ليس فقط في
عدد الليالي التي تأخذها ضرتها بل وكذلك كيفيتها ، فالعدل يقتضي أن يكون في الكم
والكيف .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"فإن كان له امرأتان في بلدين : فعليه العدل بينهما ؛ لأنه اختار المباعدة بينهما ،
فلا يسقط حقهما عنه بذلك ، فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها ، وإما أن يُقدمها
إليه ويجمع بينهما في بلد واحد ، فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان : سقط حقها
لنشوزها ، وإن أحب القسْم بينهما في بلديهما: لم يمكن أن يقسم ليلة ليلة ، فيجعل
المدة بحسب ما يمكن ، كشهر وشهر ، أو أكثر ، أو أقل ، على حسب ما يمكنه ، وعلى حسب
تقارب البلدين وتباعدهما" انتهى .
" المغني " ( 8 / 152 ) .
وبه يُعلم الجواب عما جاء في السؤال ، وهو أن على الزوج الذي يبيت عند زوجته في
"ينبع" ليلتين متتاليتين أن يفعل الأمر نفسه كمّاً وكيفاً مع البواقي من نسائه ،
فعليه أن يبيت عند كل واحدة منهما ليلتين متتاليتين ، إلا أن يرضيا بإسقاط حقهما .
وقد ذكرت أن زوجك يقسم لك وللأخرى التي في جدة خمس ليالٍ ، وهذا يعني أنه قد زادكم
في القسم ، فيحتمل أنه فعل ذلك لإرضائكما ، لأنه يرى أنه يفضل الأخرى بكونه يبقى
معها ليلتين متتابعتين .
وحينئذ : لا بد من التراضي بينكم جميعاً ، ويقال للزوج : لقد تعجلت في الزواج
بثالثة في مدينة أخرى وأنت تعلم أنه لا يمكنك أن تعدل في القسم بين زوجاتك .
ثانياً :
ليس لك – أيتها الأخ السائلة – محاسبة زوجك على عمله وزياراته التي تكون في ليلتك
بسبب أنه يعيش بين أهله وأقربائه وأصدقائه ، وهو لا يحل له تعمد جعل أعماله ومواعيد
زياراته في نوبة بعض نسائه للإضرار بها وتقليل وقت بقائه معها ، فإن فعل ذلك
متعمداً يكون ظالماً آثماً .
قال الدكتور أحمد ريان – وفقه الله - :
وقد تشدد بعض العلماء في وضع معايير للقسْم ، ونفوا العدل عن كل ما يخالفها ، ونجد
مثل هذا التشدد في بعض عبارات الحنفية حيث جاء عندهم " حتى لو جاء للأولى بعد
الغروب وللثانية بعد العشاء فقد ترك القسْم " ! ومعنى ذلك : أن الزوج يجب عليه أن
يُنهي كل متعلقات النهار قبيل غروب الشمس حتى يتفرغ لضبط أوقات الدخول عند زوجاته
يوميّاً بحيث يكون ذلك في ساعة محددة يوميّاً ! وإذا كان حدوث ذلك ممكناً فيما مضى
لبساطة الحياة وقلة الضرورات وحصول الكفاية في المعاش بالقليل : فإنه غير ممكن الآن
، فكم من الرجال الآن يستطيع أن يتحكم في حركته بحيث يقيد نفسه داخل المنزل من قبل
غروب الشمس يوميّاً حتى يكون القسم في المبيت تامّاً ؟ .
... إنما الأنسب أن يقال : يجب أن يمكث مع أهله في المنزل أكثر الليل دون تحديد
لوقت الدخول أو الخروج ، إذ ربما اضطرته ظروف المعاش أو قضاء الحقوق أو طلب العلم
أو غير ذلك من ظروف الحياة أن يدخل بيته متأخراً أو يخرج منه مبكراً ، فالعبرة :
بالبقاء مع الزوجة صاحبة النوبة أكثر الليل ؛ لأن المقصود هو الأنس والاستمتاع ،
وهما يتحققان ببقاء الزوج أكثر الليل في منزله ، وقد رأينا في الأحاديث المتقدمة
الكيفية التي كان يتحقق بها القسم في الأسرة النبوية الطاهرة ، ولم تكن زياراته صلى
الله عليه وسلم لبقية أزواجه ليلاً أو نهاراً أو اجتماعه بهن في بيت صاحبة النوبة
منافية لهذا القسم مع ما هو معلوم أن تلك الزيارات وذلك الاجتماع قد يفوِّت على
صاحبة الليلة بعض حقها إذ كان يأخذ جزءاً من الوقت الخاص بها والتي كان من حقها أن
تستأثر به دون صواحباتها .
... لذلك أرى أن العبرة بالقسم : هو أكثر الليل ، مع تقييد ذلك التأخير بألا يكون
المقصود منه هو ضرر الزوجة صاحبة الليلة ، بل كان ذلك نتيجة لمشاغل الزوج اليومية .
" تعدد الزوجات " ( ص 60 ، 61 ) .
ثم إن أساس القسم هو الليل ، وليس النهار ، فللرجل أن يخرج نهاراً لعمله ، ولا
يعتبر ذلك منافياً للعدل .
ولمزيد الفائدة ينظر جواب الأسئلة رقم (10091)
و (20455) و (34701)
.
والله أعلم