عنوان الفتوى : هل ثمة تعارض بين ما ثبت في أن المؤمنين يرون ربَّهم في الجنة وأنهم يرون وجهه ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل المؤمنين يرَون الله عز وجل في الجنة بكامل صفاته سبحانه أم أنهم يرون وجهه الجليل فقط ؟ وهل رؤية الله في الجنة تتعدد ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولاً :
قد بينَّا اعتقاد أهل السنَّة في رؤية الله تعالى في الجنَّة بأدلة من القرآن والسنَّة والإجماع ، وذلك في جوابي السؤالين رقم : ( 14252 ) ، ورقم ( 144199 ) فلينظرا .

ثانياً :
جاءت نصوص الوحي تبيِّن أن الاعتقاد الصحيح في رؤية المؤمنين ربَّهم تعالى ، وبعضها في كون الرؤية لله تعالى ، وأخرى لرؤية وجهه الكريم .

فمن الأول : قوله تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) القيامة/ 22 ، 23 .

ومن الثاني : ما جاء من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه في دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ) رواه النسائي ( 1305 ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " .

ولا فرق فيما ورد في نصوص الوحي بين ما جاء أن المؤمنين يرون ربهم تعالى وبين ما ورد أنهم يرون وجهه عز وجل ؛ لأن الوجه من صفات الله تعالى القائمة به ، فمن رأى وجهه عز وجل فقد رأى ربَّه تعالى .

فقد سئل الشيخ عبد المحسن العبَّاد – حفظه الله - :
ورد في بعض أحاديث الرؤية أن الرؤية لله سبحانه وفي بعضها أن الرؤية لوجه الله ، فكيف الجمع بينهم ؟

فأجاب :
" رؤية الله ، ورؤية وجه الله ، كلها رؤية لله عز وجل ، الله عز وجل من صفاته الوجه ، فرؤية الله عز وجل رؤية وجه الله " انتهى من " شرح سنن ابن ماجه " ( شريط 23 ) .

ثالثاً :
يجب أن يَعتقد المسلم أن الخلق لا يحيطون بربهم جل جلاله ، لا رؤية ، ولا علما ، ولا بأي معنى من معاني الإحاطة ، كما قال الله تعالى : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) طه/110 ، وقال تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) الأنعام/ 103 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وحينئذ فتكون الآية دالَّة على إثبات الرؤية ، وهو أنه يُرى ولا يُدرك ، فيُرى من غير إحاطة ولا حصر ، وبهذا يحصل المدح ؛ فإنه وصفٌ لعظمته أنه لا تدركه أبصار العباد وإن رأته ، وهو يدرك أبصارهم ، قال ابن عباس - وعكرمة بحضرته - لمن عارض بهذه الآية : " ألست ترى السماء ؟ " . قال : بلى ، قال : " أفكلها ترى ؟ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (16/88) .

وقال الشيخ عبد الرحمن البراك ، حفظه الله :
" يرونه ولا يحيطون به ، فلا يرونه رؤية يدركونه بها من كل وجه ، فهو تعالى أعظم من أن يحيط به العباد ؛ فإنهم : ( َلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) ، وكذلك لا يحيطون به رؤية ؛ قال تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) أي : لا تحيط به الأبصار " انتهى من " شرح العقيدة الطحاوية " .

رابعاً :
إذا فهمنا أن رؤية وجه الله تعالى في الجنة ، هي – أيضا - رؤية لله تعالى ، فلا مانع من أن يُرَى غير الوجه من صفاته الذاتية ، ونحو ذلك .

وقد ورد أن المؤمنين في عرصات القيامة ، قبل دخول الجنة ، يرون ربهم عز وجل ، ويعرفونه بساقه حين يكشف لهم عنها ، كما في حديث الشفاعة الطويل :
( فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلاَّ الأَنْبِيَاءُ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ ؟ فَيَقُولُونَ السَّاقُ . فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ... ) رواه البخاري (7440) - واللفظ له - ، ومسلم (183) .

لكن هل يرى غير ذلك من الصفات ؟!
مثل هذا لا يصح القول فيه إلا بتوقيف ، وليس هو من مجال الخوض بالآراء والظنون ، وليس في البحث عنه كبير فائدة ، بعد أن يكون المسلم قد أثبت ما دلت عليه النصوص من رؤية الله جل جلاله ، والنظر إلى وجهه الكريم في الجنة .

خامساً :
وأما مسألة تعدد رؤية الرب تعالى في الجنَّة : فقد ذكرناها في جواب السؤال رقم : ( 144199 ) فلتنظر هناك .

والله أعلم .