عنوان الفتوى : حكم من اعتقد أن أهل الكتاب على باطل لكن لم يجزم بوصفهم بالكفر
منذ أكثر من عشرة أعوام أهداني صديق لي كتابا كان يوزع عليه في الحج. فأخذته وقرأته ويظهر لي أنني أخطأت في فهم شيء. لأني فهمت من الكتاب وقتها أن على المسلم أن يكفر أهل الكتاب أو على الأقل يشك في كفرهم، وهنا المشكلة. ففهمت من " على الأقل يشك في كفرهم" بمعنى أنه يعرف أنهم على باطل، وأنه لن يقبل منهم يوم القيامة، وأن مصيرهم جهنم، ويشعر أن من الممكن أن يقول عليهم لفظ كفار بدلا من أهل الكتاب، ولكنى عرفت بعد أكثر من عشرة أعوام أن الشعور بأنه يمكن أن يقول عليهم: كفار بدلا من أهل الكتاب ليس كافيا ، بل يجب في عقيدته أن يؤمن متأكدا أنهم كفار طبعا. بالنسبة لي لقد كنت متأكدا من أن أهل الكتاب كفار، ولم أشك في كفرهم، وكانت معتقداتي أنهم على باطل، وأنه لن يقبل منهم يوم القيامة، وأن مصيرهم جهنم، وأنه يجب على كل مسلم أن يتأكد من ذلك، وأنه يجب على كل مسلم أن يتأكد من أن من عبد المسيح منهم فهو مشرك وكافر، وأن من أنكر منهم الإسلام أو الرسول أو الصلاة أيضا كافر، وكل ذلك كنت متأكدا منه دون شك. ولكن المشكلة أنني لم أعتقد أن المسلم إذا قال عليهم أهل الكتاب وفقط شعر أو أحس بأنه يمكن أن يقول عليهم كفار دون التأكد لم يرتد عن الإسلام . فما الحكم لأنني لم أكفر من فقط شعر أو أحس بأنه يمكن أن يستخدم لفظ كفار دون التأكد مع إيمانه أنهم على باطل، وأنه لن يقبل منهم يوم القيامة. لأنني علمت أن من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر. لقد اكتشفت الحقيقة بعد أكثر من عشرة أعوام، علما بأنني لم أكن معاندا وفقط فهمت بالخطأ، وكنت جاهلا، وفى هذه السنوات كنت أصلي وأصوم وأزكى وأيضا تزوجت. هل عشت كل هذه السنوات مرتدا عن الإسلام بسبب هذا الخطأ في الفهم؟ هل أعمالي وصلاتي باطلة؟ هل يجب علي إعادة عقد زواجي؟ أنا في كرب شديد. هل عشت كل هذه السنوات مرتدا عن الإسلام؟ وهل يجب علي إعادة عقد زواجي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكفر اليهود والنصارى معلوم من الدين بالضرورة، ومن كان كفره كذلك يكفر من أنكر كفره أو شك فيه، كما سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 12718، 98395، 39380 ، 57445.
وأما من أطلق عليهم لقب: أهل الكتاب، ولم يؤكد كفرهم، بل اكتفى بإمكانية وصفهم بالكفر، مع اعتقاده أنهم على باطل وأنه لن يقبل منهم يوم القيامة. فهذا لا يمكن الحكم عليه بالكفر اعتمادا على أنه يشك في كفر أهل الكتاب؛ لمكان الشبهة والعذر بالجهل من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن اعتقاده بكونهم على باطل وأن دينهم غير مقبول عند الله، قد لا يختلف في حقيقته عن الحكم بكفرهم.
وإذا تقرر هذا، عرف السائل أن عدم حكمه بكفر وردة هؤلاء هو الصواب، فقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول إسلامه بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر.
ثم مع ذلك لا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغا عاقلا مختارا غير معذور بجهل أو تأويل. وقد سبق لنا بيان ذلك، وبيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 721، 106396، 53835.
ثم ننبه السائل على قاعدة: (من لم يكفر الكافر فهو كافر). إنما تتأتى في الكفر المعلوم من الدين بالضرورة، ولا يصح ذلك في حال الحكم بردة المسلم الذي يقع في عمل من أعمال الكفر بجهل أو شبهة، دون إقامة الحجة عليه، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 98395، 53835.
فطب نفسا أيها السائل الكريم؛ فليس في ما ذكرته ما يحتمل الحكم بردتك وخروجك من الدين، وبطلان أعمالك وعقد زواجك .. !! وما هذا إلا من وسوسة الشيطان، يريد بذلك إحزانك وتشكيك في دينك، فأعرض عن هذه الوساوس، وأقبل على حياتك واستقم على طاعة الله ... وفقك الله لما يحب ويرضى، وألهمك رشدك، ووقاك شر نفسك.
والله أعلم.