عنوان الفتوى : الغلو والإفراط في مدح النبي صلى الله عليه وسلم يجر إلى الشرك
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعياذا بالله ثم عياذا به من هذا الكلام القبيح المنكر الذي لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتملت هذه الأبيات على شيء عظيم من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغاثة به ودعائه ووصفه بما هو مختص بالرب تبارك وتعالى من كونه المرتجى في النوازل والمؤمل في الشدائد، وأنه غياث البرايا ونحو ذلك من الأوصاف التي لا يستحق أن يوصف بها إلا الله وحده، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد الخالص والدين الحنيف النقي عن أدران الشرك، وحذر أمته من الغلو فيه أو في غيره صلى الله عليه وسلم، وبين لهم أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره شيئا من ذلك صلى الله عليه وسلم؟ ونهى أمته عن إطرائه كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم مبينا لهم أنه عبد وأن يقولوا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد خاطبه الله تعالى حين دعا على بعض الناس بقوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ{آل عمران:128}.
وعن عبد الله بن الشخير ـ رضي الله عنه ـ قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى ـ قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان. رواه أبو داود بسند جيد.
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن ناساً قالوا: يا رسول الله: يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس، قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد، عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل. رواه النسائي بسند جيد.
وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله. أخرجاه.
وفي الصحيح عن أنس قال: شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال: كيف يفلح قوم شَجُّوا نبيهم؟ فنزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ { آل عمران: 47}.
وفيه عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: اللهم العن فلاناً وفلاناً بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد فأنزل الله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ (47) الآية.
وفي رواية: يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام، فنزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ.
وفيه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ـ قال: يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً.
والنصوص في هذا المعنى كثيرة، فمن كان محبا للنبي صلى الله عليه وسلم على الحقيقة فليحرص على اتباعه فإن ذلك دليل محبة الله ورسوله، كما قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم { آل عمران: 31}.
ومن اتباعه صلى الله عليه وسلم حماية ما حماه من جناب التوحيد ونبذ الغلو وترك الإفراط في المدح الذي قد يجر إلى الشرك ـ والعياذ بالله ـ ومن ثم فلا يجوز مدح النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأبيات المذكورة لما اشتملت عليه من المعاني المنافية لما بعث به صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.