عنوان الفتوى : هل يكفر من لم ينكر بقلبه
هل الذي يترك إنكار المنكر بقلبه يكون كافرا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن ترك إنكار المنكر بقلبه كان تاركا واجبا من الواجبات, لكنه لا يصير بمجرد ترك إنكار المنكر بقلبه كافرا وهو لعدم إنكاره بقلبه آثم مستحق للعقوبة, ولشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ كلام نفيس في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم.
قال ـ رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ـ وفي الحديث الآخر: ليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل ـ فإن مراده أنه لم يبق بعد هذا الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن، بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان ليس مراده أن من لم ينكر ذلك لم يكن معه من الإيمان حبة خردل، ولهذا قال: ليس وراء ذلك ـ فجعل المؤمنين ثلاث طبقات وكل منهم فعل الإيمان الذي يجب عليه، لكن الأول لما كان أقدرهم كان الذي يجب عليه أكمل مما يجب على الثاني، وكان ما يجب على الثاني أكمل مما يجب على الآخر، وعلم بذلك أن الناس يتفاضلون في الإيمان الواجب عليهم بحسب استطاعتهم مع بلوغ الخطاب إليهم كلهم. انتهى.
وقال ـ أيضا ـ رحمه الله: فالمؤمن لا بد أن يحب الحسنات ولا بد أن يبغض السيئات ولا بد أن يسره فعل الحسنة ويسوءه فعل السيئة ومتى قدر أن في بعض الأمور ليس كذلك كان ناقص الإيمان، إلى أن قال: وفي الحديث الآخر الذي في الصحيح أيضا ـ صحيح مسلم ـ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل. فعلم أن القلب إذا لم يكن فيه كراهة ما يكرهه الله، لم يكن فيه من الإيمان الذي يستحق به الثواب، وقوله: من الإيمان ـ أي: من هذا الإيمان وهو الإيمان المطلق ـ أي الإيمان الكامل، ليس مراده أنه من لم يفعل ذلك لم يبق معه من الإيمان شيء بل لفظ الحديث إنما يدل على المعنى الأول. انتهى.
وبهذا يتضح لك حكم ترك إنكار المنكر بالقلب وأنه نقص في الإيمان ولا يستلزم انتقاء الإيمان بالكلية.
والله أعلم.