عنوان الفتوى : حرمة الموسيقى تتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع
من المعلوم أن الموسيقى قد دخلت في أغلب الأشياء في زماننا هذا ولا حول ولا قوة إلا باللَّـه، وسؤالي هو: مصعد بنايتنا يصدر صوت موسيقى عند وصوله إلى الطابق، فهل يجوز لي استخدامه أم لا؟ مع عدم قصدي لسماع هذه الموسيقى وإنكار هذا المنكر بقلبي مع تمني زواله؟ وعندما أسمع صوت الأذان، أو قراءة الإمام في الصلاة وأنا في البناية فإنني لا أستخدم المصعد حتى لا يختلط صوت الموسيقى بالأذان، أو القرآن، ولكن هناك مشكلة أخرى وهي أننا نسكن في بناية والشقق متقاربة، وبعض الجيران يشغلون القرآن في شققهم والبعض الآخر قد يشغل الأغاني فتختلط الأصوات في الممر بين الشقق والمصعد يزيد الأمر سوءا بموسيقته، فما العمل؟ علما بأنني أصبحت أتحرج من سماع القرآن في شقتي لوصول صوت المصعد إلى شقتي، وخشية اختلاطه بالأصوات المنكرة خارج الشقة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن القرآن لا يمنع من استماعه وتشغيله في بيتك وجود موسيقى خارج بيتك، فالحق لا يترك من أجل الباطل كما قعده العز بن عبد السلام، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 109307.
واعلم أن الحرمة والإثم بالنسبة للموسيقى إنما تتناول من قصد الاستماع إليها، وأما من سمع من غير قصد وحاول صرف ذهنه عن السماع مع كراهة ذلك في القلب فلا إثم عليه، إذ ليس له كسب في ذلك، والواجب النهي عن المنكر بقدر الاستطاعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ويدل لما ذكرنا ما رواه نافع ـ مولى ابن عمر ـ قال: سمع ابن عمر صوت زمارة راع فوضع إصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول: يا نافع أتسمع؟ فأقول: نعم، قال: فيمضي حتى قلت: لا، قال: فوضع يديه وأعاد الراحلة إلى الطريق وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب.
قال ابن رجب في نزهة الأسماع: إنما لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه، لأنه لم يكن مستمعا، بل سامعا، والسامع من غير استماع لا يوصف فعله بالتحريم، لأنه عن غير قصد منه، وإن كان الأولى له سد أذنيه حتى لا يسمع. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه.
وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس ـ من السمع والبصر والشم والذوق واللمس ـ إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره، فلا أمر فيه ولا نهي، وهذا مما وجه به الحديث الذي في السنن عن ابن عمر ـ فذكر الحديث ـ وقال: فإن من الناس من يقول: بتقدير صحة هذا الحديث لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه فيجاب بأنه كان صغيرا، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع وهذا لا إثم فيه، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك طلبا للأفضل والأكمل كمن اجتاز بطريق فسمع قوما يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا يسمعه فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد. اهـ.
وبناء عليه، فالأولى سد الأذنين لمنع سماع صوت الموسيقى إن أمكن، فإن لم يتيسر فأعرض بقلبك، فإن الأذن لا تسمع إلا ما حضره القلب، فاشغل نفسك وقلبك بالذكر والتفكر في معانيه، أو بالتلاوة، أو بتدبر آيات الله الكونية.
وأما استخدامك للمصعد إن كانت شقتك ليست بعيدة وأمكنك النزول والصعود بدونه فلعل تركه أولى لما قد يترتب على تشغيلك له من سماع الآخرين للموسيقى، وإن كانت شقتك في الطوابق العالية وكان ترك المصعد يشق عليك فلا بأس باستعماله ما دمت معرضا بقلبك عن سماع الموسيقى وكارها لها، وحاول التفاهم مع مالك البناية في إزالة الصوت الموسيقي من المصعد إن أمكن.
والله أعلم.