عنوان الفتوى : من صلى خلف إمام يصلي الوتر ثلاثا بتسليم واحد تابعه
ما حكم الصلاة خلف الإمام الذي يصلي الوتر بتشهدين في صلاة التراويح؟ وهل أكمل الصلاة معه؟ أم أصلي التراويح معه وأصلي الوتر في البيت؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فخلاف العلماء في صفة الوتر مشهور منتشر، ومذهب الحنفية في المسألة معروف وهو أنه لا يجوز الإيتار بواحدة منفصلة، بل يوتر بثلاث يجلس بينهن، قال ابن قدامة: الذي يختاره أبو عبد الله: أن يفصل ركعة الوتر بما قبلها، وقال: إن أوتر بثلاث لم يسلم فيهن لم يضيق عليه عندي، وقال: يعجبني أن يسلم في الركعتين، وممن كان يسلم بين الركعتين والركعة ابن عمر حتى يأمر ببعض حاجته، وهو مذهب معاذ القارئ ومالك والشافعي وإسحاق، وقال أبو حنيفة: لا يفصل بسلام، وقال الأوزاعي: إن فصل فحسن وإن لم يفصل فحسن. انتهى.
ثم ساق ابن قدامة أدلة ما ذكر من المذاهب.
وجاء في الموسوعة الفقهية في بيان صور الإيتار بثلاث: الصورة الثالثة: الوصل بين الركعات الثلاث، بأن يجلس بعد الثانية فيتشهد ولا يسلم، بل يقوم للثالثة ويسلم بعدها، فتكون في الهيئة كصلاة المغرب، إلا أنه يقرأ في الثالثة سورة بعد الفاتحة خلافا للمغرب.
وهذه الصورة هي المتعينة عند الحنفية، قالوا: فلو نسي فقام للثالثة دون تشهد، فإنه لا يعود، وكذا لو كان عامدا عند أبي حنيفة، وهذا استحسان، والقياس أن يعود، واحتجوا لتعينها بقول أبي العالية: علمنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أن الوتر مثل صلاة المغرب، فهذا وتر الليل، وهذا وتر النهار.
وقال الشافعية: هي جائزة مع الكراهة، لأن تشبيه الوتر بالمغرب مكروه.
وقال الحنابلة: لا كراهة إلا أن القاضي أبا يعلى منع هذه الصورة.
وخير ابن تيمية بين الفصل والوصل. انتهى.
فإذا علمت هذا، فالذي ينبغي للمأموم هو أن يتابع إمامه فلا ينصرف حتى ينصرف، ليحصل ثواب من قام مع الإمام حتى ينصرف وأنه يكتب له قيام ليلة كاملة، ولئلا يكون ذلك مثارا للفتنة والنزاع وفساد القلوب، فإن الخلاف شر، كما قال ابن مسعود ـ رضي الله عنهما.
قال الموفق في المغني: إذا ثبت هذا، فإنه إذا صلى خلف إمام يصلي الثلاث بتسليم واحد تابعه، لئلا يخالف إمامه، وبه قال مالك، وقد قال أحمد في رواية أبي داود فيمن يوتر فيسلم من الثنتين فيكرهونه يعني أهل المسجد قال: فلو صار إلى ما يريدون - يعني أن ذلك سهل لا تضر موافقته إياهم فيه. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: ويسوغ ـ أيضًا ـ أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب، واجتماع الكلمة خوفًا من التنفير، عما يصلح كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم، لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وخشي تنفيرهم بذلك. ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف، مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم.
وقال ابن مسعود لما أكمل الصلاة خلف عثمان، وأنكر عليه فقيل له، في ذلك، فقال: الخلاف شر.
ولهذا نص الأئمة ـ كأحمد وغيره ـ على ذلك بالبسملة، وفي وصل الوتر، وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول، مراعاة ائتلاف المأمومين، أو لتعريفهم السنة، وأمثال ذلك. انتهى.
فهذه المسائل السهلة التي هي محل اجتهاد بين العلماء لا ينبغي أن تكون مثارا للنزاع والفرقة.
والله أعلم.