عنوان الفتوى : ماهية الخصام الذي يحول بين العبد والمغفرة
أود أن أسأل عن نوع الخصام الذي بسببه لا يغفر للمتشاحنين كل يوم اثنين وخميس، وهل إذا كنت من أخاصمه لا يصلي أي بحكم الكافر ؟؟ فمثلاً أنا الآن على خلاف مع أحد أصحاب المحلات التجارية بسبب خلاف على سلعة ولا أكلمة منذ فترة بعيدة. هل ينطبق علي حديث التشاحن مع أني لا أحقد عليه إنما لا يوجد بيننا حديث ولم نكن أصدقاء أصلا إنما هي علاقة بين بائع ومشتري وانتهت . ولدي صديق آخر ما زلت لا أكلمه ولا يكلمني والمسألة ليست بغضاء وتشاحن بل لا يوجد بيننا حديث. فهل ينطبق علي الحديث علما أننا تصافحنا بعد خلافنا ولكن لا نتحدث سويا ولا نلقي السلام على بعضنا للآن. أرجو إفتائي بالحالتين وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الخصام الذي يسبب عدم المغفرة هو الخصام المؤدي للعداوة والتباغض، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا.
والمراد بالشحناء العداوة كما قال عياض وابن عبد البر، وابن الأثير وابن الجوزي والباجي.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: والشحناء العداوة كأنه شحن بغضا له لملائه. انتهى.
وقال المباركفوري في شرح المشكاة عند شرحه لحديث ابن ماجه: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن...
قال رحمه الله: مشاحن أي مباغض ومعاد لأحد لا لأجل الدين...قال الطيبي: الشحناء العداوة والبغضاء ولعل المراد التي تقع بين المسلمين من قبل النفس الأمارة بالسوء ولا يأمن أحدهم أذى صاحبه من يده ولسانه ، لأن ذلك يؤدي إلى القتل وربما ينتهي إلى الكفر إذ كثيرا ما يحمل على استباحة دم العدو وماله. انتهى.
وأما مجرد الخلاف بين المتعاملين من دون تباغض ولا حقد فلا يدخل في هذا، ولكن تعمد الهجران وترك السلام على الأصدقاء لغير سبب ديني ممنوع شرعا وذلك أن تلتقيا فلا يسلم أحدكما على الآخر كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وأما الهجر لسبب ديني فهو مشروع إذا رجي تأثيره وتحقيقه للمصلحة كزجر العصاة، وأهل البدع وتاركي الصلاة بعد نصحهم وتذكيرهم بمخاطر ترك الصلاة، فإذا رجي أن يؤدي الغرض من هجرهم جاز الهجر، وإذا خشي أن يؤدي ذلك إلى مزيد نفور وعناد فالأولى عدم الهجر بل يصبر على السعي في هدايتهم، كما صبر الأنبياء قديما على أقوامهم يدعونهم إلى الله ومنهم نوح الذي صبر ألف سنة إلا خمسين عاما، يواصل دعوة قومه ليلا ونهارا سرا وجهارا.
والله أعلم.