عنوان الفتوى : من سافر إلى بلد تأخر فطرهم فهل يصوم معهم وإن جاوز ثلاثين يوما
مسألة من أفطر ببلد ثم سافر إلى بلد آخر، وكان ذلك البلد الآخر يختلف عن ذلك البلد الذي كان فيه من ناحية إذا زاد عليه يوم أو يومين بأن يصوم 31 أو 32 يوما علما بأنه في الحديث أتموا ثلاثين يوماً؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فالأصح عند الشافعية وهو ما رجحه العلامة العثيمين رحمه الله أن من سافر إلى بلد تأخر فطرهم لزمه أن يصوم معهم وإن زاد على ثلاثين يوما، قال في مغني المحتاج: ( وإذا لم نوجب على ) أهل ( البلد الآخر ) وهو البعيد ( فسافر إليه من بلد الرؤية ) من صام به ( فالأصح أنه يوافقهم ) وجوبا ( في الصوم آخرا ) وإن كان قد أتم ثلاثين لأنه بالانتقال إلى بلدهم صار واحدا منهم فيلزمه حكمهم
وروي أن ابن عباس أمر كريبا بذلك، والثاني يفطر لأنه لزمه حكم البلد الأول فيستمر عليه. انتهى
ونحن نميل إلى القول الأول لما ذكره الخطيب رحمه الله من كونه صار منهم فلزمه حكمهم، ولأمر ابن عباس كريبا بذلك إن صح، لا ولأن الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نفطر لرؤيته وعلى القول باعتبار اختلاف المطالع فإن الهلال لم ير.
وأما على القول بأن رؤية البلد الواحد رؤية لجميع البلاد فالأمر واضح، ولكنه إن أفطر في هذه الحال حيث كان يرى أن رؤية البلد الواحد تلزم جميع البلاد، أو قلد من يفتي بذلك، أو كان يرى اختلاف المطالع لكنه رأى العمل بالقول الثاني أو قلد من يفتي به وهو أنه لا يزيد على ثلاثين يوما فإنه يفطر سرا.
كما نبه على ذلك النووي رحمه الله بعد حكايته الخلاف في المسألة، ونسوق هنا كلاما للشيخ العثيمين رحمه الله في بيان رجحان هذا القول الذي ملنا إليه والاستدلال له وإزالة الإشكال الوارد في السؤال.
قال رحمه الله في الشرح الممتع: مسألة: لو صام برؤية بلد، ثم سافر لبلد آخر قد صاموا بعدهم بيوم، وأتم هو ثلاثين يوماً ولم ير الهلال في تلك البلد التي سافر إليها، فهل يفطر، أو يصوم معهم؟
الصحيح أنه يصوم معهم، ولو صام واحداً وثلاثين يوماً، وربما يقاس ذلك على ما لو سافر إلى بلد يتأخر غروب الشمس فيه، فإنه يفطر حسب غروب الشمس في تلك البلد التي سافر إليها وقيل: ـ وهو المذهب ـ-أي مذهب الحنابلة- إنه يفطر سراً؛ لأنه إذا رؤي في بلد لزم الناس كلهم حكم الصوم والفطر. انتهى
وجاء في فتاواه رحمه الله: إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطروا، لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وهذا وإن زاد عليه يوم، أو أكثر فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر فيه غروب الشمس، فإنه يبقى صائماً حتى تغرب، وإن زاد على اليوم المعتاد ساعتين، أو ثلاثاً، أو أكثر، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم ولا نفطر إلا لرؤيته، فقال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته».
وأما العكس: وهو أن ينتقل من بلد تأخر فيه ثبوت الشهر إلى بلد تقدم ثبوت الشهر فيه فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان إن فاته يوم قضى يوماً، وإن فاته يومان قضى يومين، فإذا أفطر لثمانية وعشرين يوماً قضى يومين إن كان الشهر تامًّا في البلدين، ويوماً واحداً إن كان ناقصاً فيهما أو في أحدهما.
وسئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: قد يقول قائل: لماذا قلتم يؤمر بصيام أكثر من ثلاثين يوماً في الأولى ويقضي في الثانية؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقضي في الثانية لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، ويزيد على الثلاثين يوماً لأنه لم يُر الهلال، وفي الأولى قلنا له: أفطر وإن لم تتم تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الهلال رؤي، فإذا رؤي فلابد من الفطر، لا يمكن أن تصوم يوماً من شوال، ولما كنت ناقصاً عن تسعة وعشرين لزمك أن تتم تسعة وعشرين بخلاف الثاني، فإنك لا تزال في رمضان إذا قدمت إلى بلد ولم ير الهلال فيه فأنت في رمضان، فكيف تفطر فيلزمك البقاء، وإذا زاد عليك الشهر فهو كزيادة الساعات في اليوم. انتهى.
والله أعلم.