عنوان الفتوى : أقسام المياه التي لا يصح التطهر بها
الماء الذي لايصح التطهر به مطلقا هل هو الماء المسروق أو الذي ولغ الكلب فيه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالماء الذي لا يصح التطهر به ينقسم إلى أقسام. فمنها.
أولا: الماء الذي خالطته نجاسة فغيرت أحد أوصافه، لونه أو طعمه أو رائحته فهذا لا يجوز التطهر به إجماعا لكونه نجسا.
ثانيا: الماء القليل الذي لاقته نجاسة ولم تغيره، فإنه محكوم بنجاسته عند الجمهور، وضبط الشافعية والحنابلة القليل بأنه ما دون القلتين لحديث ابن عمر: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. رواه أبو داود وغيره.
وخالف مالك رحمه الله فذهب إلى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، ووافقه جماعة من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وفي هذه المسألة مناقشات طويلة، وقد أتقن النووي في شرح المهذب في التدليل على مذهب الجمهور، وأتقن ابن القيم في تهذيب السنن في الانتصار للقول الثاني فليراجعهما من شاء.
والماء الذي ولغ فيه الكلب مما لا يجوز التطهر به لأنه مأمور بإراقته وهو عند الجمهور نجس وإن لم يظهر فيه أثر النجاسة إذا كان دون القلتين.
ثالثا: الماء المغصوب أو المسروق وهذا على المشهور من مذهب الحنابلة، فإن الطهارة به عندهم غير صحيحة لحرمة استعماله، ومذهب الجمهور أن الماء المغصوب يصح التطهر به مع الإثم قال الشيخ العثيمين رحمه الله: ولو توضأ بماء مغصوب فلا يصح الوضوء على المشهور من المذهب؛ لأن الماء المغصوب يحرم استعماله.
والقول الثاني: وهو الراجح: أنه يصح أن يتوضأ بماء مغصوب مع الإثم، وعليه ضمانه لصاحبه. انتهى.
رابعا: الماء المستعمل في طهارة واجبة فإنه لا يصح التطهر به عند الجمهور، والقول الثاني أنه يصح التطهر به. قال في كشاف القناع: ( ويسلبه ) أي الطهور الطهورية ( استعماله ) أي اليسير ( في رفع حدث ) أكبر أو أصغر فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم صب على جابر من وضوئه. رواه البخاري غير مطهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
ولولا أنه يفيد معنى لم ينه عنه، ولأنه أزال به مانعا من الصلاة أشبه ما لو أزال به النجاسة أو استعمل في عبادة على وجه الإتلاف أشبه الرقبة في الكفارة.
وفي أخرى مطهر اختارها ابن عقيل وأبو البقاء والشيخ تقي الدين لحديث ابن عباس مرفوعا: الماء لا يجنب. رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي. انتهى.
خامسا: الماء المضاف أي الذي زال عنه وصف الإطلاق فلم يعد ماء مطلقا، وقد فصل ابن قدامة أنوعه والخلاف فيه فقال: ومنها أن المضاف لا تحصل به الطهارة وهو على ثلاثة أضرب أحدها ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة وهو على ثلاث أنواع أحدها ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد وماء القرنفل وما ينزل من عروق الشجر إذا قطعت رطبة. الثاني ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغا أو حبرا أو خلا أو مرقا ونحو ذلك. الثالث ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلا المغلي فجميع هذه الأنواع لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل لا نعلم فيه خلافا إلا ما حكي عن ابن أبي ليلى والأصم في المياه المعتصرة أنها طهور يرتفع بها الحدث ويزال بها النجس ولأصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلا المغلي. وسائر من بلغنا قوله من أهل العلم على خلافهم قال أبو بكر ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم أن الوضوء غير جائز بماء الورد وماء الشجر وماء العصفر ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق يقع عليه اسم الماء ولأن الطهارة إنما تجوز بالماء وهذا لا يقع عليه اسم الماء بإطلاقه انتهى.
سادسا: الماء الذي خالطه طاهر يمكن التحرز منه فغير أحد أوصافه لونه أو طعمه أو ريحه، فهذا لا يجوز التطهر به عند الجمهور لأنه ليس ماء مطلقا أشبه ماء الورد ونحوه، ومن العلماء من ذهب إلى جواز التطهر به وهو رواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، قال ابن قدامة رحمه الله: الضرب الثاني : ما خالطه طاهر يمكن التحرز منه فغير إحدى صفاته - طعمه أو لونه أو ريحه كماء الباقلا وماء الحمص وماء الزعفران، واختلف أهل العلم في الوضوء به واختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله في ذلك فروي عنه لا تحصل الطهارة به وهو قول مالك والشافعي وإسحاق قال القاضي أبو يعلى وهي أصح وهي المنصورة عند أصحابنا في الخلاف ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه منهم أبو الحارث والميموني وإسحاق بن منصور جواز الوضوء به وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه لأن الله تعالى قال: { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا عام في كل ماء لأنه نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تعم فلا يجوز التيمم مع وجوده وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : في حديث أبي ذر [ التراب كافيك ما لم تجد الماء ] وهذا واجد للماء ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم والغالب أنها تغير الماء فلم ينقل عنهم تيمم مع وجود شيء من تلك المياه ولأنه طهور خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء ولا رقته ولا جريانه فأشبه المتغير بالدهن - ووجه الأول انه ماء تغير بمخالطة ما ليس بطهور يمكن الاحتراز منه فلم يجز الوضوء به كماء الباقلا المغلي ولأنه زال عن إطلاقه فأشبه المغلي انتهى.
وثم فروع وتفصيلات كثيرة للعلماء متعلقة بهذه المسائل لا تتسع لذكرها هذه الفتوى، فنكتفي بما ذكرناه من الإشارة إلى رؤوس المسائل.
والله أعلم.