عنوان الفتوى : يمين المرتد هل يكفر عنها إن تاب وحكم تعظيم العلماء ومحبة الأنبياء
إذا ارتد الإنسان وأثناء ردته حلف على عدم وقوع شيء ووقع ذلك الشيء، ثم تاب. هل عليه كفارة ؟ هل تعظيم العلماء وإجلالهم، ولكن لا يرقى تعظيمهم إلى درجة تعظيم الله أبدا والعياذ بالله. هل هذا كفر ؟ هل نحب كل الأنبياء بنفس الدرجة ؟ أم نحبهم حسب الأفضلية ؟ وفيم لا نفرق بينهم ؟ هل في الإيمان بهم ؟ ما تفسير رؤية الأحياء للأموات يقدمون النصيحة في المنام أو يخبرون عن مصيرهم ؟ هل هي أرواحهم التي تظهر في المنام ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السائلة لم تبين لنا هل هذا الحالف قد حلف على شيء وهو يعتقد صحة ما حلف عليه، وتبين أنه مخطئ حقيقة، أو أنه حلف على عدم فعل هذا الشيء ثم فعله. فإذا كان قد حلف على شيء وهو يعتقد صحة ما حلف عليه، وتبين أنه مخطئ حقيقة، فإنه تعتبر يمينه يمين لغو على الراجح ولا كفارة عليه، كما نسبه ابن عبد البر وابن المنذر وابن قدامة للجمهور.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11070، 6644، 34211.
واذا كان حلف على عدم فعل أمر ثم فعله فإن هذه يمين منعقدة، واليمين تنعقد من الكافر عند بعض أهل العلم كالحنابلة والشافعية وتلزمه الكفارة إذا حنث سواء كان حنثه حال كفره أو إسلامه خلافاً للحنفية وأصحاب الرأي القائلين بعدم انعقاد يمينه أصلاً.
قال ابن قدامة في المغني: وتصح اليمين من الكافر، وتلزمه الكفارة بالحنث، سواء حنث في كفره أو بعد إسلامه. وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر إذا حنث بعد إسلامه، وقال الثوري وأصحاب الرأي: لا ينعقد يمينه، لأنه ليس بمكلف. ولنا (أن عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره)، ولأنه من أهل القسم، بدليل قوله تعالى: فيقسمان بالله. ولا نسلم أنه غير مكلف، وإنما تسقط عنه العبادات بإسلامه، لأن الإسلام يجب ما قبله، فأما ما يلزمه بنذره أو يمينه فينبغي أن يبقى حكمه في حقه، لأنه من جهته. انتهى.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع متحدثاً عن شروط اليمين: ومنها: أن يكون مسلماً فلا يصح يمين الكفار وهذا عندنا، وعند الشافعي ليس بشرط حتى لو حلف الكافر على يمين ثم أسلم فحنث فلا كفارة عليه عندنا، وعنده تجب الكفارة إلا أنه إذا حنث في حال الكفر لا تجب عليه الكفارة بالصوم بل بالمال. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وقال الشافعية والحنابلة: لا يشترط الإسلام في انعقاد اليمين ولا بقائها فالكافر الملتزم للأحكام ـ وهو الذمي والمرتد ـ لو حلف بالله تعالى على أمر, ثم حنث وهو كافر, تلزمه الكفارة عند الشافعية والحنابلة, لكن إذا عجز عن الكفارة المالية لم يكفّر بالصوم إلا إن أسلم، وهذا الحكم إنما هو في الذمي, وأما المرتد فلا يكفّر في حال ردته ـ لا بالمال ولا بالصوم ـ بل ينتظر, فإذا أسلم كفر، لأن ماله في حال الردة موقوف, فلا يمكن من التصرف فيه، ومن حلف حال كفره ثم أسلم وحنث, فلا كفارة عليه عند الحنفية والمالكية.
وعليه الكفارة عند الشافعية والحنابلة إن كان حين الحلف ملتزما للأحكام.اهـ.
واما احترام العلماء وتوقيرهم دون غلو فيهم فهو مطلب شرعي رغبت فيه النصوص ولا يعد كفرا ، فالعلماء ورثة الأنبياء، كما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء، وفي الحديث: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وقد بوب الإمام النووي في رياض الصالحين فقال: باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل. وذكر في هذا الباب قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون. (الزمر: 9)، وذكر فيه حديث أبي موسى: أن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني.
واما عن حب الانبياء فإن المسلم يتعين عليه أن يكون محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من جميع الخلق حتى الأنبياء والصحابة لما في الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. متفق عليه.
وفي الحديث: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..
ويتعين عليه كذلك أن يحب جميع الأنبياء ويؤمن بهم جميعا ولا يفرق بينهم عملا بقوله تعالى: قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. {آل عمران: 84}.
وبقوله تعالى: آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ. {البقرة: 285}.
وبقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا .{النساء: 150- 151}.
ولم نطلع على نص لأهل العلم في وجوب تفضيل بعضهم على بعض في المحبة.
ونعتذر عن تفسير الرؤيا لأنه ليس عندنا متخصصون فيه.
والله أعلم.